حقّق حزب العدالة والتنمية التركي، بقيادة رجب طيب أردوغان، فوزا كبيرا على خصومه السياسيين، في استفتاء الأحد 12 شتنبر 2010 الذي حصد خلاله 58% من أصوات الناخبين الذين وافقوا على حزمة التعديلات الدستورية التي اقترحتها الحكومة، وهو ما يشكل تحولا جوهريا في النظام السياسي التركي. واعتبر رجب طيب أردوغان أن نتائج الاستفتاء شكلت منعطفا في التاريخ الديمقراطي لتركيا، وأضاف في خطاب النصر، بعد إعلان النتائج، لقد عبر شعبنا مرحلة تاريخية على طريق الديمقراطية وسيادة دولة القانون، يا لها من سعادة بزيادة مستوى القواعد الديمقراطية في تركيا. وقال سعد الركراكي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن الاستفتاء التركي أكد ممارسة ديمقراطية في أرض الواقع، بغض النظر عن الرهانات المختلفة لكل الأطراف المتنافسة في تركيا. وأضاف أن الاستفتاء أكد وجود حزب سياسي قوي، تسنده قاعدة شعبية عريضة. مستبعدا أن يكون أي تأثير للحدث التركي على دول الوطن العربي، حيث توجد ديمقراطية مزيفة. من جهته، قال سعد الدين العثماني، مسؤول العلاقات الخارجية في العدالة والتنمية المغربي، إن نتائج الاستفتاء التركي كانت منتظرة، مؤكدا أنها تعبر عن نظام سياسي يتطور باتجاه تقليص دور الجيش في السياسة واستجابة للمعايير الأوربية. وأضاف العثماني أن ما حصل في تركيا هو انتصار للديمقراطية، ولاختيارات الشعب. وتنص التعديلات بخصوص القضاء، على رفع عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى ,17 ثلاثة منهم يعينهم البرلمان . كما تمنح للمواطنين حق اللجوء إلى المحكمة في مسائل تخص حقوق الإنسان، وكذا محاكمة رئيس هيئة أركان الجيش وكبار قادته الأربعة، بصفتها المحكمة العليا. كما سيتم رفع عدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء من 7 إلى ,22 مع عضوية وزير العدل وأمين عام الوزارة داخل المجلس، وتسمح كذلك بمحاكمة جنود في زمن السلم بتهمة محاولة الانقلاب. وتنزع التعديلات نفسها من المؤسسة القضائية احتكارها القرار بحل الأحزاب السياسية بتهمة المس بالعلمانية، كما كاد أن يحصل مع حزب العدالة والتنمية نفسه. كما تتيح للجنود المُسرحين من الجيش، بتهمة الانتماء إلى التيار الإسلامي، تقديم طعون، بل وبمحاكمة قادة الانقلاب العسكري الذي حدث في شتنبر ,1982 وأودى بحياة تورغوت أوزال وعدد من وزرائه. ولقيت نتائج الاستفتاء التركي إشادة دولية، إذ أقرّ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بما أسماه حيوية الديمقراطية في تركيا، بينما عدّها الاتحاد الأوربي خطوة في الاتجاه الصحيح. ويأتي موقف الاتحاد، بعد أيام قليلة من الاجتماع الذي عقده وزراء خارجيته بحضور نظيرهم التركي، وُصف بالاجتماع التاريخي في بروكسيل، حول انضمام تركيا للاتحاد، وقال فيه ألكسندر اشتوب، وزير خارجية فنلندا، إن تركيا اليوم واحدة من خمس دول هي الأكثر تأثيرا في العالم. وهي كذلك، ودون جدال، أكثر تأثيرا من كل دول الاتحاد الأوروبي. وفي ذات السياق يرى مراقبون أن الشعب التركي لم يصوت لصالح العدالة التنمية وزعيمه أردوغان بسبب ميوله الإسلامية فقط، وإنما بسبب إنجازاته الاقتصادية الكبرى أيضا، إذ باتت تركيا تحتل المرتبة ال 16 بين الاقتصاديات الأقوى في العالم، وتزحف بثقة لتصبح عضوا في مجموعة الدول الثمانية. وهي إنجازات تستند إلى سياسة داخلية وخارجية، ورغبة أكيدة في التصالح مع الجيران، على أساس المصالح المشتركة، وتسوية الخلافات بالحوار، والتصدي للغطرسة الصهيونية، وحصارها الظالم لقطاع غزة.