تتكسر الصورة النمطية التي روجتها وسائل الإعلام عن رمضان على موائد الرحمان وقفة رمضان، أكبر عنوانين لرمضان التضامن في المغرب. ففي الوقت الذي تقدم فيه تلك الصورة رمضان في المجتمع، على أنه شهر النرفزة والخصومات والكسل والتهافت على التسوق والأكل حتى التخمة والسهر ... نجد صورة أخرى مشرقة، حتى حين تتعامى عليها معظم وسائل الإعلام. صورة يفيض منها التضامن الاجتماعي ليلامس مختلف فئات المجتمع المغربي. ويمكن اعتبار شهر رمضان، شهر التضامن الاجتماعي بامتياز. فعلى طول الشهر الفضيل تترجم قيم التضامن والتراحم إلى مشاريع ينخرط فيها الأفراد وجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الأعمال الاجتماعية التابعة لمؤسسات رسمية. وتلتقي جميع تلك المشاريع لتتحول إلى حملة إنسانية رحيمة؛ هدفها الوحيد مساعدة الفقراء من المواطنين والفئات الخاصة التي تحتاج إلى التفاتة رحمة في شهر الرحمة والغفران. فتحط الحملة التلقائية رحالها في الأوساط الشعبية وفي المستشفيات وفي الخيريات وفي المؤسسات السجنية، وفي الشوارع لصالح المشردين أو في مناطق ضحايا الهجرة السرية وغيرها من الأماكن التي قد تؤوي شخصا يحتاج إلى أن يشعر أنه إنسان يعيش في وطن وفي مجتمع متراحمين. وبالنظر إلى أشكال وحجم ما يقدم بشكل يومي ضمن حملة رمضان التضامنية، يمكن القول إن أكبر عملية تضامن في السنة تسجل في الشهر الكريم. ومن حيث الأهداف فإن أهم ميزات هذه الحملة؛ أنها من الحملات القليلة التي تسقط الاعتبارات السياسية والفوارق الاجتماعية لتتحول إلى ورش وطني مفتوح للجميع، شعاره الوحيد التضامن الاجتماعي . وأعمال التطوع التي تطبع حراك التضامن في رمضان كثيرة ومتنوعة، من توزيع التمر على المصلين بالمساجد بعد أذان صلاة المغرب، إلى موائد الرحمان حيث يجتمع العشرات من الصائمين يوميا في آلاف من ولائم الرحمان المنتشرة بمخلف جهات الملكة، ليتقاسموا إفطارا تقدمه بشكل منتظم جمعية أو محسن. وبين التمرة والمائدة نجد أشكالا أخرى من أعمال الخير؛ مثل توزيع قفة رمضان على الأسر المعوزة والتي أصبحت تقليدا محمودا لدى بعض الجمعيات والمؤسسات الرسمية وبعض الأفراد، ومثل التبرع بالدم الذي يعرف انتعاشا استثنائيا في الشهر الفضيل، ومثل زيارات المستشفيات لمواساة المرضى التخفيف عنهم... وتبقى موائد الرحمان، العنوان الأبرز لثقافة التضامن في المجتمع المغربي خلال رمضان. إذ يجد آلاف الصائمين يوميا موائد مفتوحة على الفقراء والمساكين وعابري السبيل والمشردين وغيرهم من الفئات التي قد تجد عنتا في الحصول على وجبة الإفطار. موائد تتحول إلى ولائم الرحمان في الهواء الطلق أو في خيام خاصة أو في مقرات الجمعيات أو المقاهي، ولائم بما تقدمه من مشروبات ومأكولات متنوعة وفي أجواء يغيب فيها المن والأذى، أجواء تعزز الكرامة الإنسانية لدى المستفيدين، وهي ولائم الرحمان؛ كونها مفتوحة في وجه الفقراء والمحتاجين. إن تقليد تنظيم موائد الرحمان، التي تحتضن يوميا عشرات الآلاف من المواطنين في كل أنحاء المغرب، تترجم مشاعر التضامن التي يذكيها شهر الصيام بما هو شهر للعبادة تتوقد فيه قيم الإحسان. وهذا التقليد حين ينضاف إلى باقي أشكال التضامن الإحساني يشكل صورة تفيض بقيم التعاون والتضامن والتكافل التي تعد الأقرب إلى حقيقة رمضان في مجتمع مسلم. وحين تنضاف إليه حركة التوبة والإقبال على المساجد ومختلف أعمال الإحسان وأشكال الصبر التي تحمل عنوان اللهم إني صائم، فإننا سنكون أمام الصورة الأقرب إلى رمضان، لكن من المؤسف ألا تنال هذه الصورة حظها في وسائل الإعلام .