أكد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الأزمة تعد الوضع الطبيعي في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وأن البلدان يدبران هذا الوضع فقط، ويستغلانه كل لصالحه حسب الأوراق التي بيده. وأكد شيات أن عوامل التوتر والأزمة متعددة، منها استمرار احتلال إسبانيا لأراض مغربية، والجرائم المرتكبة أثناء احتلالها للريف، ومنها حوادث جديدة مثل الإمعان في إذلال كرامة المغاربة في المدنيتين المحتلتين، واختراق الأجواء المغربية، وغير ذلك. واعتبر شيات أن الخطاب المعادي للمغرب في إسبانيا قائم رسميا وشعبيا، وأن التفاوت بينهما شكلي فقط. وحول رد الفعل المغربي على السلوكات العنصرية الإسبانية بمليلية المحتلة، أوضح أن المغرب دولة ذات سيادة ولا أحد يمكنه أن يغبن حقها في الدفاع عن مصالحها بالطرق التي تراها تحافظ على هذه المصالح وكرامة الشعب المغربي. وفيما يلي نص الحوار: عرفت الأشهر الأخيرة توترا في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، لم ينتهي بعد، في نظركم ما هي الأسباب العميقة لهذه الأزمة؟ بين المغرب وإسبانيا قضايا كثيرة يمكن أن تؤثر على السير الطبيعي للعلاقات بينهما وتدفع بها إلى أشكال عديدة للتوتر؛ فإسبانيا تحتل أراض مغربية ليس فقط سبتة ومليلية بل تسعة جزر أخرى في الساحل المتوسطي قبالة الريف المغربي منها الجزر الجعفرية (إشفارن بالأمازيغية) وجزيرة ليلى (تورا) وجزيرة صخرة الحسيمة وجزيرة القميرة أو باديس التي هي الآن قاعدة عسكرية إسبانية. أيضا هناك التحديد من جانب واحد للمجال البحري المحيط بجزر الخالدات (جزر كنارياس بالإسبانية) واستتباعه بالتنقيب عن النفط في هذه المنطقة أي بين هذه الجزر وشاطئ طرفاية. أضف إلى ذلك ما يتكبده الاقتصاد المغربي منذ سنوات طويلة من خسائر ناجمة عن تهريب السلع من سبتة ومليلية الذي يقدر بملياري دولار سنويا تقريبا. والموقف الداعم في مجمله للبوليساريو ولأطروحة الانفصال بالصحراء. وإذا أضفنا إلى ذلك التراكم التاريخي كطرد الموريسكيين من الأندلس أو الجرائم المرتكبة أثناء احتلال الريف المغربي مع بداية القرن العشرين سنكون على بينة من الإشكالات التي تحيط بطبيعة العلاقة بين المغرب وإسبانيا. صحيح أن المغرب مدعو للتعاون في المجالات الأمنية خاصة التي تهم إسبانيا كالهجرة السرية والاتجار في المخدرات والإرهاب لكن ذلك لا يمكن أن يكون على حساب المصالح العليا للمغرب. لذلك إذا أضفنا اليوم إلى الأسباب السابقة أشياء من قبيل الإمعان في إذلال المغاربة العابرين من المدينتين المحتلتين، واختراق الأجواء المغربية، وقضايا أخرى قد ترتبط بقضايا استخباراتية سرية إسبانية في غير صالح استقرار المنطقة ككل. ومع وجود إسبانيا في موقع لا يسمح لها بخلق جبهات التوتر مع المغرب في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها وفي ظل الوضع السياسي المتميز في ظل الأزمة الاقتصادية، فإن نزوع المغرب إلى الصمت وعدم رد الفعل في قضايا كهذه لن يكون مفهوما. إذا الأزمة هي الأصل وتدبيرها يختلف باختلاف المراحل التي تمر بها؛ أحيانا تكون الدبلوماسية المغربية في وضع لا تحسد عليه، وأحيانا يمكنها أن تكون أكثر حضورا، لكن الأمر لا يتعلق في كل الأحوال بعلاقات تطبعها الندية في كل شيء؛ هناك دائما طرف في يده أوراق ضغط أكثر. الملاحظ أن منذ 2008 أضحت إسبانيا الشريك التجاري والاقتصادي الثاني للمغرب، لكن سياسيا هناك جَزْر في العلاقات، هل هذا يعني أن المراهنة على الاقتصادي كمدخل لتحسين العلاقات السياسية تأكدت محدوديته؟ ليس منذ 2008 بل مع مجيء حكومة ثاباتيرو في 2004 لوحظ تصاعد حصة الاستثمارات الإسبانية بالمغرب وقد وازى ذلك تكثيف اللقاءات ذات الصبغة التجارية بين البلدين، وأيضا الدعم المالي الذي تقدمه هذه الحكومة للاستثمار بالمغرب، هكذا أصبحت الاستثمارات الإسبانية بالمغرب تقارب ثمانية ملايير أورو وتوجد به أكثر من 600 مقاولة إسبانية. وقد جاء ذلك بعد التوتر الذي شهد حدته في سنة 2002 حول جزيرة تورا، هذه أمور إيجابية تدخل في إطار سعي المغرب إلى جلب الاستثمارات الأجنبية وتنمية التجارة الخارجية بعد نهاية الحرب الباردة التي كان لها منطق آخر، هذا إضافة إلى أن مثل هذه العلاقات تعد طبيعية بين بلدين جارين أحدهما عضو بالاتحاد الأوربي الذي وقع معه المغرب اتفاقية للشراكة منذ .1996 أما ما يخص علاقة ذلك بالجانب السياسي والمواقف التي تصدر عن إسبانيا اتجاه المغرب فليس هناك ما يثبت هذا الترابط، قد يتداخل الجانبان أحيانا وقد لا يكون هناك تأثير متبادل. والمجال السياسي الإسباني ديمقراطي أي أنه يخضع في جزء منه للرأي العام الإسباني لكسب الأصوات الانتخابية، ولازال للأسف بإسبانيا رأي مسموع للجانب الذي يعادي المغرب عموما أو وحدته الترابية على وجه التحديد، ولا بد للأحزاب السياسية أن تراعي هذا المعطى؛ إما باللعب على وتر معاداة كل ما يصب في مصلحة المغرب كما يفعل الحزب الشعبي أو بتقديم البديل النفعي للأسبان من المواقف المهادنة للمغرب كما يفعل الحزب الاشتراكي. إذن ليس المغرب هو الذي يحدد كيفية صناعة السياسة الداخلية في إسبانيا، فما عليه سوى جني المكاسب في حال صعود التيار الأكثر عقلانية في علاقته معه أي الحزب الاشتراكي على وجه التحديد دون إغفال التحالفات التي تجمعه بالأحزاب الأخرى أحيانا. في إسبانيا اليوم ثمة خطابين متناقضين: خطاب حكومي رسمي يظهر وكأنه يريد احتواء التوتر، في مقابل خطاب شعبي يبدو معاديا للمغرب، هل هي خطابات انتخابية وفقط أم تترجم استراتيجيات ورهانات متعارضة لدى النخبة الحاكمة في إسبانيا؟ في إسبانيا يمتزج الخطاب المعادي للمغرب رسميا وشعبيا وليس صحيحا أن هناك مستوى شعبي معاد كليا للمغرب أو رسميا أيضا، هناك اتساع في الأطروحات الوطنية التي تتشبث بالهوية في إسبانيا وأوربا عموما، وصناعة السياسة الداخلية والخارجية تخضع للاعتبارات الانتخابية للوصول للسلطة وقد ينعكس ذلك لدى فئات سياسية أكثر من فئات أخرى. هل هي خطابات انتخابية نعم، وهي أيضا تعبير عن تميز في التنشئة السياسية بين هذه الفئات والهيئات والأحزاب، لكن لا يجب أن تأخذ أكثر من حجمها أو تعتبر المحرك الوحيد للعلاقات التي تبنى مع المغرب. فالمغرب مطالب بتعزيز جبهته السياسية الداخلية وتحديث الدولة لإنقاص مدخلات التأثير الذي يمكن أن تمس استقراره الداخلي في علاقته مع الدول الأخرى والمجاورة على وجه الخصوص. فيمكننا أن نتساءل عن العوامل التي تجعلنا أكثر حزما في علاقتنا بالجزائر مثلا في مقابل طبيعة العلاقة التي تجمعنا بإسبانيا، لا شك أن استقلال الدول وسيادتها الكلية تطلق يد الدول لتنزيل السياسات الأقرب للمصالح الوطنية. إذن الاعتماد على البعد التاريخي أو لنقل العاطفي في تفسير العلاقات مع إسبانيا يبدو قاصرا جدا هناك مصالح متبادلة بين البلدين كل يستثمرها بالقدر الذي يتحكم فيه بالخيوط التي تنسج منها هذه العلاقة. المتأمل في رد الفعل المغربي يجده حازما تجاه الإسبان، حيث أصدرت وزارة الخارجية بلاغات متتالية ووصلت حد وصف بعض ممارسات الشرطة الإسبانية بالعنصرية، كيف تقرأ السلوك المغربي إزاء السلوك الإسباني؟ المغرب دولة ذات سيادة ولا أحد يمكنه أن يغبن حقها في الدفاع عن مصالحها بالطرق التي تراها تحافظ على هذه المصالح وكرامة الشعب المغربي، وبالمقابل لا يمكن السكوت عن أعمال تمس بشكل خطير بسيادة الدولة المغربية كيفما كان حجم الانتهاكات التي تحدث. طبعا المغرب يختار دائما الحل السياسي الرزين باعتباره دولة لها ذاكرة، حيث لا يمكن الاكتفاء بالصياح والعويل الذي لا يؤدي إلى نتائج سليمة تخدم المصالح الوطنية، لكنه لا يمكن بالمقابل أن يستكين إلى هذا النوع من الحلول في مقابل اعتداءات متكررة ومستفزة. إذن كل ما صدر من ردود الفعل الرسمية هي الأسلوب الطبيعي في التعامل من منطلق السيادة والكرامة الوطنية ولا يمكن مقارنتها بأحداث أخرى سابقة ولا حتى لاحقة لأنه لكل مقام مقال. ولا ننسى أن رد الفعل الإسباني تنبه لضرورة الاستجابة للمطالب المغربية وسارع لتطويق الأزمة هذا يعني أن إسبانيا تعتبر العلاقات مع المغرب مسألة حساسة، صحيح أنه جاء متأخرا بعض الشيء لكنه كان في حجم الرهان الذي أراده المغرب . المتتبع للإعلام الأوربي والأمريكي يجده يحمّل المغرب المسؤولية عن الأزمة، بل إن مجلة التايم اعتبرت أن المغرب يستغل الأزمة التي تمر بها إسبانيا لدفعها ثمن ممارسات سابقة، بنظركم ما هي خلفيات هذا الموقف؟ هناك مبدأ ينص عليه الاتحاد الأوربي هو مبدأ التضامن، طبعا الأمر لا يتعلق هنا بهذا المبدأ كما صاغه الوحدويون الأوربيون لكن هذه ثقافة شائعة داخل الأوساط الأوربية بأن تنتصر للدول الأوربية بغض النظر عن المتسبب الحقيقي في ذلك، وذلك مبرر بالحضور القوي للوبيات المساندة لهذه الدول في الساحة الأوربية والأمريكية، خاصة أن التواجد الإسباني بالولايات المتحدةالأمريكية أمر غير خفي، أما القول بأن المغرب ينتقم من ممارسات إسبانية سابقة فهذا ليس منطق الدول لكن من حسناته أن يقر بوجود هذه الممارسات. لا ننتظر من الإعلام الغربي الوقوف إلى جانب المغرب لكن على الأقل التحليل بحياد أكبر والوقوف على حقيقة الأوضاع التي تضبط العلاقات المغربية الإسبانية في ظل الاحتلال الذي توجد فيه أراض مغربية. هل تتوقع بأن يكون لهذه الأزمة آثار معينة على العلاقات بين البلدين؟ أم هي أزمة عابرة؟ مرّ البلدان بالعديد من الأزمات يصعب حصرها، بل إني قلت سابقا أن الأزمة هي الوضع الطبيعي بين المغرب وإسبانيا ولا يعدو الأمر إلا أن يكون تدبيرا لهذا الوضع، ولا يمكن لهذا الأمر أن يستقيم إلا بانتفاء العوامل التي تؤثر فيه، أي زوال الاحتلال والتعامل مع المغرب بالندية التي تستوجبها سيادة الدول، نعم لا يمكن أن نتجاوز كون البلدين جارين وحتمي عليهما التعامل على هذا الأساس، لكن مع بقاء عوامل الإثارة موجودة، فإن التوتر سيستمر ويطفو كلما ساهمت في إذكائه عوامل معينة إما سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية. أما الآثار التي يمكن أن تنتج عن مثل هذه الأزمات فهي في ظل الأزمة الحالية آثار عادية لكن على المغرب أن ينتبه للتحكم الذي يمكن أن ينتج عن التواجد المكثف لإسبانيا في قطاعات اقتصادية حيوية بالمغرب كالطاقة مثلا، والتفكير جديا بالتسريع في تنويع الشركاء الاقتصاديين الدوليين وتفعيل خطوات التنمية الداخلية ليتمكن من ممارسة سيادته التامة في علاقاته الخارجية عموما.