شكل الوضوح وتحديد المسؤوليات النفس العام الذي هيمن على خطاب العرش لهذه السنة، والذي خصصه الملك محمد السادس للحديث عن النموذج التنموي الديمقراطي الذي اعتمده المغرب مند توليه العرش. وكان الخطاب الملكي، الذي رسم مسار التنمية في المغرب من خلال 4 دعامات و3 معيقات و4 توجهات، غنيا بالرسائل التي تتضمن مواقف المغرب من عدة قضايا؛ سواء فيما له علاقة بالداخل أو بالخارج سوف نكتفي بالإشارة إلى بعظها. لقد شددت مقدمة الخطاب على الموقف من عدة قضايا لها علاقة بالهوية والوطن، بدأت برابطة البيعة المتبادلة، والإجماع على ثوابت المغرب في وحدة الوطن والتراب والهوية، وعلى مقدسات الأمة، وعلى دور إمارة المومنين في ضمانها عقيدة إسلامية سمحة، بخصوصيتها المغربية، القائمة على المذهب السني المالكي، والاحترام المتبادل بين الأديان السماوية، والانفتاح على الحضارات، كما جاء في الخطاب الملكي. وفي قضية الصحراء كان الخطاب واضحا في تسجيل الموقف المغربي الذي لا يقبل المساومة ولا التراجع. فالملك يؤكد التزام المغرب بالاندماج المغاربي وتعميق العلاقات الثنائية مع الدول المغاربية، ويسجل في نفس الوقت انتظار أن تتخلى الجزائر، عن معاكسة منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية، بشأن قضية الصحراء المغربية، وعن التمادي في مناوراتها اليائسة، لنسف الدينامية، التي أطلقتها مبادرتنا للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية .مشددا على جعل الصحراء المغربية في صدارة إقامة الجهوية الموسعة، ومعلنا أنه في جميع الأحوال، فإن المغرب سيظل مدافعا عن سيادته، ووحدته الوطنية والترابية، ولن يفرط في شبر من صحرائه. وفي تقييم السياسات العمومية كشف الخطاب الملكي عن ثلاثة عوائق رئيسية تحول دون تحقيق المخططات القطاعية لنجاعتها. وجعل الملك في مقدمة تلك العوائق ضعف التنافسية، وجعل اختلال تناسق حكامة هذه المخططات معيقا ثانيا، مشددا على أن إزاحته تتطلب اعتماد الآليات اللازمة لتفاعل تلك المخططات ضمن منظور استراتيجي مندمج، لا مجال معه للنظرة القطاعية الضيقة. لكن أكبر هذه المعيقات، والتي وصفها الخطاب الملكي بالتحدي الأكبر، هي تأهيل الموارد البشرية. وجعل الملك المدخل إلى معالجة هذه المعضلة في إصلاح نظام التعليم، مشيرا إلى أن من مسؤولية الجميع، الإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة. وفي معرض حديثه عن قطاع السكن أكد الملك على ضرورة التزام السلطات الحكومية المعنية، بالحزم والفعالية، والتطبيق الصارم للقانون وتركيز جهودها لتمكين ذوي الدخل المحدود، وقاطني الأحياء الصفيحية من الحصول على سكن اجتماعي لائق، وفق برامج مضبوطة. واعتبر الخطاب الملكي المدخل إلى الحكامة الجيدة في إنجاز إصلاحات تنموية ومؤسسية وسياسية. وجعل في صدارتها الجهوية الموسعة، مشددا على أنها ليست فقط نمطا جديدا للحكامة الترابية، وإنما هي في العمق، إصلاح وتحديث لهياكل الدولة. وبالموازاة مع الانشغال البالغ الذي عبر عنه الملك بإصلاح القضاء ليأخذ وجهته الصحيحة، وفق جدولة مضبوطة، أعلن الملك حرصه على حسن انطلاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ليساهم في توطيد الحكامة التنموية الجيدة. ويطرح الخطاب الملكي، الذي رسم خريطة الطريق لالنموذج التنموي الديمقراطي الذي اعتمده المغرب مند تولي الملك محمد السادس العرش، جملة من التوجيهات من شأن تحويلها إلى مخططات عملية وواقعية أن تسهم في تحقيق الحلم المغربي في التنمية المستدامة.