يكاد يجمع المراقبون للشأن الإيراني بأن حجة الإسلام علي أكبر هاشمي رفسنجاني هو الأوفر حظا للظفر بالجلوس على كرسي الرئاسة بمناسبة الاستحقاق الانتخابي الذي تشهده إيران يومه الجمعة 17 يونيو الجاري. وإن كانت الأسباب الكامنة وراء ترجيح كفة الشيخ الرئيس كما يحلو لأتباعه أن يلقبونه، عديدة وفي بعض الأحيان متباينة لدى هؤلاء. ذلك أن الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي سبق له أن شغل منصب رئيس الجمهورية لمدة ثماني سنوات متواصلة منذ وفاة الإمام الخميني (1989 1997)، لم يبادر إلى ترشيح نفسه إلا بعد أن أفادته الدراسات واستطلاعات الرأي بأن غالبية النخبة السياسية الإيرانية كما هو شأن قطاعات واسعة من الشعب تريد منه خوض غمار السباق نحو الرئاسة. كما أن رئاسته لمجمع تشخيص مصلحة النظام مكنته من الدخول في حمأة التنافس الانتخابي مسلحا بالمعطيات الدقيقة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي زودته بها أحدث الدراسات التي أنجزها المجمع في الآونة الأخيرة، وهذا ما جعله لا يحيد عن براغماتيته المعهودة في إطلاق الوعود الانتخابية. ناهيك عن رصيده الشخصي الزاخر بالإنجازات المتميزة التي شهدتها إيران إبان رئاسته للجمهورية، ونجاحه الكبير في التحول السلس بالبلاد من شعارات الحرب وتصدير الثورة إلى إعادة الإعمار والبناء عقب انتهاء الحرب مع العراق ورحيل الإمام الخميني. وفي هذا الإطار جاءت مبادرته إلى تأسيس حركة كوادر البناء انسجاما مع أولوية الإعمار التي تبناها، وقد تشكلت هذه الحركة من فئات المثقفين والطبقة الوسطى وموظفي الدولة ومن التكنوقراط الذين يدعون لاعتماد خيار الاقتصاد الحر. ومعلوم أن كوادر البناء هي واحدة من بين الحركات الإصلاحية التي تحالف معها الرئيس المنتهية ولايته محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية لعام 1997, ومن أهم رموزها وزير الثقافة والإرشاد السابق عطاء الله مهاجرني. رفسنجاني المؤهل الأول بالنظر إلى المناصب التي تقلدها رفسنجاني في هرم السلطة الإيرانية منذ نجاح الثورة عام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية، بدء برئاسة مجلس الشورى لقرابة عقد من الزمن (1979 1989) ومرورا برئاسة الجمهورية لثماني سنوات متصلة (1989 1997)، ووصولا إلى رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ 16 سنة خلت (1989 2005)، واعتبارا لكون الرجل لم يكن يخفي قط ميولاته الإصلاحية خاصة في المجالات الاقتصادية ولا يرفض الحوار مع الغرب، الأمر الذي انعكس على السياسة التي انتهجها إبان رئاسته للجمهورية والتي توجت بإفساح المجال أمام عودة الرساميل الإيرانية الموجودة بالخارج، وكذا نجاحه في تحسين العلاقات ومعظم الدول الغربية واستجلاب الاستثمارات الأجنبية بعد فك طوق العزلة الدولية الذي فرض على الجمهورية الإسلامية منذ قيامها، دون أن يتخلى عن موقفه المتصلب تجاه الشيطان الأكبر كلما اقتضت الضرورة ذلك. إزاء هذا الرصيد السياسي الثري الذي امتزجت فيه فترات النجاح بمحطات الإخفاق، لا يمكن إلا أن نقر بأننا أمام شخصية عجنتها التجارب ومحصت خبراتها المحن وصقلت حنكتها المحطات الفاصلة عايشتها عن قرب ومن موقع المسؤولية سواءتعلق الأمر بالحرب مع العراق، أو سقوط المعسكر الشيوعي، أو العدوان الأمريكي الأول على بلاد الرافدين، أو احتلال أفغانستان، أو الغزو الأخير للعراق ... هذا دون إغفال ميزة أخرى تتمتع بها شخصية >الشيخ الرئيس< والمتمثلة في قدرتها على التجدد ومواكبة التطورات، وهذا ما لمسناه في تجنبه الاصطفاف إلى جوار أي من الفريقين المتنافسين الإصلاحي والمحافظ، وبالتالي، تلافيه السقوط في شراك التقاطب السياسي الحاد الذي ميز العلاقة بين المعسكرين طوال فترة رئاسة محمد خاتمي. كما تجلى ذلك في قدرته على استيعاب مطالب الشباب الإيراني الثائر والناقم في نفس الوقت على تيار الإصلاحيين الذي لم يفلح في الإيفاء بالوعود الكثيرة التي قطعها على نفسه ومنحته تعاطف الشارع الإيراني، الشيء الذي بلوره في إحدى اللقاءات المفتوحة التي جمعته مع ثلة من الشباب المتحمس حين لم يجد >الشيخ الرئيس< أدنى حرج في مناقشة قضايا الجنس والموضة والموسيقى ..... غياب منافسين أقوياء واضح بأن هاشمي رفسنجاني قد دخل غمار الانتخابات الرئاسية في غياب منافسين أقوياء، فالتيار الإصلاحي الذي بدا منقسما على نفسه بعد إخفاقه المدوي في ترجمة شعارات التغيير إلى واقع وتسببه في نشأة حالة من الاحتقان السياسي الداخلي من دون طائل، وجد نفسه عاجزاً عن إيجاد مرشح ذي شخصية وازنة تؤهله لملء الفراغ المهول الذي سيتركه غياب الرئيس المنتهية ولايته محمد خاتمي الذي حاز احترام الداخل وتقدير الخارج على حد سواء. وهذا ما جعل هذا التيار يقع فريسة التخبط في البحث عن مرشح وازن، مما أسهم في تعميق فرقة كلمته وانعكس على طبيعة ترشيحاته التي لم ترق إلى مستوى تطلعات أتباعه. ويبقى أكبر المنافسين لرفسنجاني هو وزير التعليم السابق مصطفى معين عضو حزب جبهة المشاركة الإسلامية الإصلاحية، ويأتي بعده مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى السابق الذي يصنف في الاتجاه المعتدل داخل التيار الإصلاحي. ولا نخال ترشيح محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري والأمين العام الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام والمعين أصلاً من قبل مرشد الثورة مباشرة، إلا محاولة مكشوفة من قبل أركان النظام الحاكم لإيهام الناخبين بأن رفسنجاني ليس مرشحهم المفضل. رفسنجاني ومحاولة إعادة الاعتبار لرئاسة الجمهورية. إذا كان الدستور الإيراني يمنح صلاحيات مهمة لرئيس الجمهورية، دون أن تخرج بطبيعة الحال عن عباءة مرشد الثورة، الولي الفقيه، فإن الصلاحيات المقابلة التي يتمتع بها مجلس الشورى، خاصة تلك المتعلقة باشتراط مصادقته على اختيار الوزراء والحق الدستوري الذي خول له باستجوابهم وإلاطاحة بهم، بل وحتى استجواب رئيس الجمهورية، وإمكانية التوصية بعزله عند استجماع أصوات ثلثي الأعضاء، وإن كان القول الفصل في المسألة يعود لمرشد الثورة؛ تجعل رئيس الجمهورية تحت رحمة المجلس خاصة إذا كانت تركيبته معارضة لتوجهات هذا الأخير كما هو حاصل الآن، علماً بأن الدستور لم يمنح الرئيس حق حل مجلس الشورى. وهذا ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن رفسنجاني مؤهل، أكثر من غيرها، للتعامل مع هذه الوضعية المعقدة بحنكته المعهودة وتجربته الثرية، خاصة وأن الظرفية الراهنة التي تمر بها البلاد لم تعد تحتمل المزيد من السجالات العقيمة والتقاطبات الحادة كما حصل على عهد الرئيس خاتمي، ناهيك عن كون الجبهة الداخلية باتت في حاجة إلى المزيد من الالتحام والتضافر بغية مواجهة التحديات الخارجية التي باتت تواجه البلاد خصوصا بعد احتلال العراق، رغم التعاون الذي أبدته إيران مع الأمريكان في الحالتين الأفغانية والعراقية على حد سواء؛ الشيء الذي لم يحل دون استمرار تلويح واشنطن بإمكانية توجيه ضربة مباشرة لطهران بذريعة إصرار الإيرانيين على المضي قدماً في اتجاه إتمام برنامجهم النووي والمزاعم القائلة باستمرار التهديد الإيراني لأمن وسلامة الكيان الصهيوني. ولعل المغازلة التي أطلقها رفسنجاني أخيرا بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في حال فوزه، مؤشر على أن الرجل قد أعد العدة لاستيعاب التهديدات الأمريكية، ومن يدري فقد يكون الشيخ الرئيس بصدد الإعداد لاستئناف العلاقات الديبلوماسية مع البيت الأبيض. رشيد سليماني