لا نتردد في القول بأن تجربة العمل الإسلامي التي تمثلها حركة التوحيد والإصلاح أصبحت أحد عناصر النموذج المغربي، ومرتكزا من مرتكزات إشعاعه وتميزه، ليس فقط باندراجها ضمن توجه الوسطية والاعتدال ودفع الفكر الإسلامي المعاصر لمواجهة تحديات الاجتهاد في التجديد، والانطلاق في ذلك مما يفرزه الواقع من إشكالات وأسئلة، بل أيضا لما قدمته من خبرة حركية في الاندماج الإيجابي في حركة الدولة والمجتمع والنخبة، وقدرة على التطور ضمن حركة التطور العام للمغرب والتكيف المتواصل مع متغيرات وتحولات هذا المحيط، وذلك طيلة حوالي ثلاثين سنة من العمل والعطاء. اليوم ينعقد الجمع العام الوطني الرابع لحركة التوحيد والإصلاح، وسط رهانات متعددة، تعكس إرادة التطور والتكيف والاستجابة لتحولات واقعها المغربي وقدرتها على التجديد بما يحقق لها إسهاما معتبرا في صياغة النموذج المغربي للقرن الواحد والعشرين، وهي إرادة يمكن اختزالها في مفردة أساسية هي إعادة التموقع، وذلك على صعيد أربع مستويات دعوية، وقيمية، وسياسية وفكرية، والتي تمثل مداخل إسهامها في صياغة هذا النموذج، أولا على مستوى إعادة التموقع إزاء أداء مؤسسات الدعوة العامة من مجالس علمية وهيئات دعوية في ظل صحوة إسلامية شبابية، مما يفرض على الحركة تركيز جهدها على ترشيد التدين والإسهام في جهود تقوية فكر الوسطية والاعتدال في صفوف أبنائه، مما يؤدي إلى تحقيق التكامل عوض التنافس والتنازع بين مختلف الفاعلين في مجال الدعوة والتأطير الديني. وثانيا على مستوى الإصلاح الاجتماعي والتدافع القائم حول قضايا الهوية والقيم وبروز الحقل المدني مجال اشتغال أساسي للتدافع عوض المجال السياسي، وما يفرضه ذلك من ارتقاء وتجديد في آليات ومفردات التدافع الهوياتي والقيمي في المغرب، وهو ما سيفضي إلى إعادة تموقع تدافعي للحركة إزاء باقي الفاعلين في مجال القيم، وتمكين المغرب من تدبير إيجابي لحراك القيم المحتدم فيه. وثالثا على مستوى الفعل السياسي عامة والحزبي خاصة، وذلك بعد استقرار تجربة التمايز الدعوي السياسي وإرساء الفصل الوظيفي بين كل من حركة التوحيد والإصلاح باعتبارها هيئة مدنية وحزب العدالة والتنمية باعتباره حزبا سياسيا فاعلا في حقل الشأن العام تدبيرا واقتراحا ورقابة، والتقدم في التقعيد النظري لذلك، وهو ما يعني تعميق خيار التموقع المدني للحركة إزاء الفعل السياسي، وتعزيز قدرة المغرب على الاستيعاب الإيجابي للفاعل السياسي ذي المرجعية الإسلامية ضمن منظومة تدبير الشأن العام، والنأي عن الانزلاق نحو متاهات الإقصاء والتجاهل التي اتسمت بها نماذج دول أخرى، ثم رابعا خيار التموقع الفكري إزاء إشكالات وتحديات الحراك الثقافي الوطني والإسلامي والإنساني، ومواجهة تحديات الخلل في العقل الإسلامي المعاصر، والتي تعيقه عن الانطلاق لتأسيس دورة حضارية إسلامية عالمية، وما يقتضيه ذلك من إعادة الاعتبار للوظيفة الفكرية والتجديدية للحركة ضمن الطيف الإسلامي المعاصر. يمكن القول أن جزءا من الإجابة عن إشكالات تلك المستويات سيتم كشفه في أدبيات الحركة، والتي سيعلن عنها بمناسبة الجمع العام، ممثلة في سلسلة كتب حول إشكالية السؤال في الفكر الإسلامي، وقضية الإصلاح الثقافي، والمغرب وتدافع الهوية والقيم، وكتاب المنظومة التربوية لحركة التوحيد والإصلاح، وأملنا أن يثمر النقاش حولها إطلاق مسار جديد من الفعل الإصلاحي والرسالي.