ثمة تطلع إلى نتائج الجمع الوطني الرابع لحركة التوحيد والإصلاح وما قد يحمله من مواقف حول قضايا الراهن المغربي وتوجهات آفاق العمل في المرحلة المقبلة، وهو تطلع يستند إلى خصوصية تجربة الحركة داخليا وخارجيا، وما قدمته من أجوبة خالفت الرأي العام السائد عند الحركات الإسلامية داخل وخارج المغرب، بل وتعاطت نقديا مع تلك التجارب وأثبتت عبر ممارستها صوابية أطروحاتها الفكرية. يمكن رصد هذه الخصوصيات عبر مرحلتين: الأولى كانت في مرحلة التأسيس واستغرقت عقد الثمانينات وقسطا معتبرا من عقد التسعينيات، والثانية امتدت منذ نهاية العقد الماضي واستمرت طيلة العقد الحالي، مع بروز مؤشرات انتهائها بحسب مضامين النقاشات التي أثيرت أثناء الإعداد التصوري للجمع العام أو في سلسلة الحوارات المنشورة لعدد من قيادات الحركة في الآونة الأخيرة. لقد أفضت المرحلة الأولى إلى وضوح تصوري وعملي في عدد من القضايا الإشكالية ذات العلاقة بالموقف من الحكم والمجتمع وفق مبادئ المشاركة والانفتاح والحوار والقطيعة مع فكر التكفير، أو نبذ السرية والعنف واعتماد العلنية ونهج خيار العمل المؤسساتي القانوني، أوفي العلاقة الإيجابية مع باقي الفاعلين في المجال الدعوي كالعلماء والزوايا، أو في التأكيد على الاستقلالية إزاء الخارج، أو في إرساء الشورى الداخلية ثقافة وممارسة ومؤسسات. وفي المرحلة الثانية تطور المشروع الحركي نحو معالجة إشكاليات العلاقة بين العمل السياسي والعمل الدعوي وخيار التمييز بينهما واعتماد الديموقراطية، وتحديات تفعيل الاجتهاد والتجديد في الواقع المعاصر، وأسئلة توسيع المشاركة السياسية والتحقق بشروط ومقتضيات تدبير الشأن العام والرقابة عليه والنماذج العملية لذلك، وسمات العمل المدني المنبثق عن الحركة الإسلامية، وما ينجم عنه من تفاعل وتمايز بين الفعل المدني والفعل السياسي، وقضايا التدافع حول إشكاليات القيم والهوية، فضلا عن ما يهم تحولات الحقل الديني واستعابها والتفاعل إيجابا معها، ونوعية المشروع التنظيمي الرسالي القادر على استيعاب الأجوبة الجديدة على القضايا الآنفة، وفي الوقت نفسه صيانة مكتسبات المرحلة الأولى، وهو ما أعطى للحركة مسارا جديدا وإشعاعا مختلفا بالرغم من التحديات والاختلالات التي اعترضت ذلك. ليس هناك من شك أن تطور الحركة كمشروع وليس فقط كتنظيم؛ نتج أساسا عن سعيها المستمر لاستيعاب تحولات الواقع وإبداع أجوبة مغربية منفتحة على التجارب الإسلامية والإنسانية، مما حولها إلى فاعل أساسي في الحراك الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي بالمغرب ونموذج ذا إشعاع لافت في الخارج، تجاوز دائرة رد الفعل إلى السعي للفعل والمبادرة، كما نقلها إلى مرحلة تحمل المسؤولية بمعية عدد من الفاعلين حول هوية المغرب وأمنه ووحدته ونهضته وإشعاعه، وذلك في مواجهة تحديات الاستبداد والتجزئة والتبعية والتخلف، وما تقتضيه من إطلاق حركة اجتهادية على المستوى التصوري وتجديدية على المستوى العملي، وهي تحديات يمكن القول إن الانخراط في معالجة إشكالياتها من الموقع الراهن للحركة ولمؤسساتها وشركائها سينقل الحركة إلى طور جديد من الإبداع والتجديد في العشرية القادمة، وهو ما يجعل من الجمع العام للحركة نهاية هذا الأسبوع محطة مفصلية في إنضاج شروط هذا الانتقال.