الذي يتابع تطورات الأخبار في كل من بلجيكا بعد فوز حزب سياسي ينادي باستقلال منطقة الفلامنك، ثم في قرغيستان مع تصاعد حملة التطهير العرقي الجديدة ونزوح ما لا يقل عن 100 ألف أوزبكي إلى أوزبكستان، يجد أن وحدة واستقرار المغرب أمانة وأن مخاطر استهدافهما قائمة في حالة الإخفاق والعجز عن اعتماد سياسات فعالة تعزز قيم الوحدة الوطنية أثناء تدبير الفوارق اللغوية والإثنية القائمة بين مناطق المغرب. إن الخطابات الوردية للبعض حول الوحدة لا تحل المشكل على أرض الواقع، لا سيما عند متابعة تطورات الخطاب العنصري لبعض التوجهات الأمازيغية، والقائم على فكرة طرد العرب الغزاة للمغرب، واللجوء في ذلك إلى التضخيم غير العلمي لأخبار تاريخية غير موثقة من أجل إحياء منطق الصدام بين مكونات المغرب، يجد أحد المؤشرات، والتي بالرغم من هامشيتها تكشف الخطر الكامن على الوحدة الوطنية. الدافع لمثل هذه القراءة هو الأخطاء التي ارتكبت في تدبير قضية الصحراء المغربية، وأدت إلى تهميش موضوع الوحدة الوطنية ككل لمصلحة موضوع الوحدة الترابية، والذي هو جزء من الأولى لكنه غير كاف في صيانة الوحدة، وكانت النتيجة بروز فكر مناهض للسيادة المغربية ولوحدة المغرب ومنخرط في استراتيجيات تقسيمه وتفتيته. ما العمل إذن؟ لقد ورثنا بلدا موحدا فكيف سنحافظ عليه؟ وأي ضمانات وضعت لذلك ونحن ندبر السياسة اللغوية ببعديها العربي والأمازيغي لذلك؟ وأي ضمانات ستعتمد ونحن نسير نحو جهوية حقيقية؟ وما هي الضمانات الموجودة في السياسات الترابية حتى لا تصبح هذه الأخيرة مجرد سياسات للضبط الأمني دون اعتبار لقضية الوحدة الوطنية؟ وما دور السياسات الثقافية والإعلامية والتعليمية في ذلك؟ وما موقع سياسة النهوض بالحقل الديني في مواجهة هذا التحدي؟ لا نتردد في القول بأن الجواب يبدأ من السؤال الأخير وينتهي بالسؤال الأول، مرورا بباقي الأسئلة. إن الحالة البلجيكية تقدم مؤشرا دالا على أن لغة المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة لم تنتج الوحدة المطلوبة، كما أنها لم تكن كافية لضمان استمرارها، فمسار التقسيم الذي يقول البعض بأن بدايته ستكون بنظام كونفدرالي يليه استقلال المنطقة الهولندية هو مسار لا يلقي بالا إلى أن ذلك قد يمحو بلجيكا من خريطة الاتحاد الأوروبي ويهدد الاقتصاد البليجيكي ككل بالاندثار. أما حالة قرغستان فدليل آخر على أن النتائج الكارثية لسياسات التغيير القسري للبنيات الثقافية والإثنية للشعوب تحت دعاوى التقدم المرفوعة في العهد السوفياتي وخاصة في مرحلة ستالين، وما شهدته من سياسات زرعت التوترات التي تفجرت في قبل أوروبا مع صربيا وتنفجر اليوم في قيرغستان. في المقابل فإن نظام القيم المشتركة الذي يحدد الهوية الوطنية هو الذي يحفظ الوحدة ويقويها ويضمن استمرارها إذا ما أدمجت في إطار نظام سياسي عادل وديموقراطي يرفض الإقصاء ويعترف بالاختلاف، وهو نظام في حالة المغرب منبثق عن الإسلام ومستوعب لتراث المكونات الثقافية التاريخية، وهو نظام تكاد تجمع كل الدراسات السوسيولوجية المحلية والدولية التي أنجزت حول الهوية المغربية في السنوات العشر الأخيرة أن المغاربة يعرفون أنفسهم كمسلمين أولا وبنسب تتجاوز 70 في المائة في بعض الحالات وبعدها تأتي في الرتب الثانية وبشكل ضعيف المحددات اللغوية والثقافية والجغرافية. إن استبعاد تحقق مستقبل التفكك رهين بمراجعة جذرية وشاملة لمؤسسات بناء وترسيخ نظام القيم ومدى وضعها لقضية الوحدة الوطنية في مقدمة الأولويات؟ ومدى نجاعة الأدوات المعتمدة في تحقيق ذلك؟ وبدون ذلك لا يسعنا سوى أن نذكر بإحدى المقولات المأثروة عن الملك الحسن الثاني رحمه الله إن من يزرع الريح... يحصد العواصف.