جابت شوارع مدينة الرباط مسيرة حاشدة يوم الأحد تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بالجريمة النكراء التي أقدمت عليها قوات الاحتلال الصهيوني في عرض المياه الدولية في قرصنة واضحة لقافلة الحرية. وقد كانت القرصنة مضاعفة، فهي قرصنة وقتل، إذ سقط الشهداء العزل من أي سلاح لكنهم عند الناس قتلوا وهم عند الله أحياء كما قال تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران : 169) وهذا المعنى الذي يرشدنا القرآن إلى دفعه يرشدنا أيضا إلى دفع معنى آخر شديد الصلة بالأول وهو قوله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (إبراهيم : 42) ومن شواهد هذه الآية هذه الآثار المترتبة على الجريمة، والتي ستجعل الصهاينة يدفعون ثمنها غاليا، فقافلة الحرية التي أرادوا اقتيادها قد ولدت قوافل للحرية، وإذا احتاج الأمر إلى شهداء فقوافل الشهداء أيضا جاهزة حتى تحرير فلسطين. وعلى الصعيد المحلي، وعلى مدار الأسبوع، خرجت المظاهرات ونظمت الوقفات الاحتجاجية في المدن والجهات منددة بالغطرسة والعدوان، ثم كان التتويج بالمسيرة الوطنية التي شاركت فيها أحزاب وجمعيات وهيئات ومستقلون من كل الأطياف، ولكنهم أجمعوا على إدانة الجريمة وعلى التنديد بمسلسل الإجرام الصهيوني، وكان الإجماع أيضا على رفض التطبيع لأنه لا يكون مع المجرمين والقراصنة؛ ومن الطريف أن المكان الذي اجتمعت فيه أغلب القيادات قبل انطلاق المسيرة كان هو زنقة القدس. ومما سرني وأنا أشارك في المسيرة هو حجم الرايات المغربية التي كانت ترفرف ذلك الصباح، وفي الأمر دلالات عديدة. منها أن الذي شارك في ذلك اليوم هم المغاربة، والصوت الذي علا ذلك اليوم هو صوت المغاربة والمغرب، والراية التي تعلو هي راية الوطن، وهذا الأمر في غاية الأهمية، إذ يدل دلالة قوية على عناصر الإجماع التي توحد المغاربة. المغاربة الذين لوحوا بالرايات الفلسطينية يقولون لأهل فلسطين نحن معكم والقضية قضيتنا ، والذين لوحوا بالراية التركية يقولون لتركيا نحن نقدر مواقفكم ونحييكم. أما الراية الإسرائيلية فجيء بها لغرض واحد هو الإحراق، والذين أحرقوا الرايات الإسرائيلية يقولون للصهاينة لا مكان لكم بيننا، ولا نسمح لرايتكم أن تعلو فوق أرضنا. وهكذا تتحول المسيرة التي كانت في أصلها إعلانا للتضامن مع فلسطين والمقاومة والجهود الدولية لكسر الحصار الظالم عن غزة إلى درس في الوطنية وفي الولاء والحب لهذا الوطن. وهذا البعد كان حاضرا أيضا في بعض الشعرات التي رددها المشاركون في المسيرة. ومن الشعارات الدالة في هذا الموضوع قول المشاركين: من المغرب لفلسطين شعب واحد ماشي اثنين، والذي يردد هذا الشعارا يأتي على ذكر المغرب أولا، ومن الشعارات الجميلة قولهم من الرباط لاسطنبول هذا الحصار سيزول. كل ذلك يبدأ من الرباط بكل ما تحيل عليه الكلمة لقائلها وسامعها من المعاني ومما لفت انتباهي كذلك لوحة جمعت بين جبال الأطلس وجبال الأناضول، وهي تحيل على جبالنا في شموخها وصمودها. ومن الناس من لم يجد إلا أن يضع الراية المغربية في وجه الورقة ويجعل الراية الفلسطينية في وجهها الثاني، ولوحة بهذا الشكل لا تقول إلا جملة واحدة هي: المغرب وفلسطين وجهان لراية واحدة. وهكذا تكون المسيرات الوطنية مسيرات في التربية على المواطنة، لأن الذي يقاوم من أجله الفلسطيني قد قاوم من أجله المغربي من قبل وقاومت من أجله كل الشعوب. ومن الطريف أن النائب البرلماني الأستاذ المقرئ أبو زيد قد دعا في البرلمان إلى تنظيم قافلة الحرية 2 تنطلق من المغرب باسم المغاربة جميعا ملكا وحكومة وبرلمانا وأحزابا ونقابات ومجتمعا مدنيا وجماهير وأن نسميها: المسيرة الخضراء الثانية؛ بكل الزخم والحمولة والرمزية والعاطفية والإيمانية التي تحملها كلمة المسيرة الخضراء، إنها قضايانا الوطنية تلتحم بقضايا أمتنا فتصير قضية واحدة ... وهي كذلك منذ كنا، وهي كذلك ما بق