الموقف الذي عبرت عنه جريدة الأحداث المغربية بخصوص النقاب يثير حوله الكثير من الملاحظات حول خط الجريدة ومدى صدقية التزامها بالدفاع عن الحريات الفردية، لاسيما وأن ركن كلمة الأحداث التي تم تصريف الموقف فيه لا يبرز في الجريدة إلا نادرا حينما يتعلق الأمر بموقف يكشف حقيقة القضايا ذات أولوية بعد أن كان قبل مدة يستكر الحديث عن استقدام إلتون جون رغم إسائته للمسيح تحت دعوى أن القضايا الحقيقية هي مكافحة الفساد والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة. المشكلة أن موقف المطالبة بالمنع القانوني للنقاب، جاء بتزامن مع حملة اليمين المتطرف على النقاب في فرنسا، والجدل القانوني والحقوقي الذي يثار على خلفية هذه الحملة. وحين تم الإقدام على ذلك في المغرب لم يقع أكثر من استيراد الحملة بكل مبرارتها وحججها مع قدر قليل من التكييف والتبيئة مع الواقع المغربي؛ لكن المفارقة أن الجريدة المذكورة، اقتصرت على استنساخ الموقف اليمين المتطرف، ولم تستوعب الدرس القانوني والحقوقي من وراء قرار مجلس الدولة الفرنسي الذي صدر في آخر شهر مارس الماضي، والذي اعتبر أنه لا يوجد أي سند قانوني لفرض حظر تام على ارتداء البرقع في فرنسا، وأوضح أن الحظر المطلق للبرقع النقاب يمكن أن يكون محل اعتراض قانوني ومخالفة للدستور، وقصر الحظر على استثناءات خاصة تبرر كشف الوجه لأسباب أمنية أو لمحاربة التزوير في بعض الأماكن العامة أو عند القيام ببعض الإجراءات الإدارية. بغض النظر عن الموقف الشرعي من النقاب باعتبار أن ذلك موضوع خلافي فقهي، فإن الموقف الغريب والمستورد، لم يميز بين الحرية في ارتداء النقاب، وبين الأحوال الاستثنائية التي يلزم المواطن فيها أن يكشف عن وجهه لضرورة إدارية أو أمنية، بل إنها دعوة اليومية المذكورة حاولت الدفع بحجج مضحكة ترفع حتى اليمين المتطرف في فرنسا عن حملها من قبيل أن النقاب هو قضية سياسية، وأنه علامة على الانتماء ليس إلى دين معين بل إلى جماعة لها طموحات سياسية وأن المرأة بارتدائها للنقاب سيكون عليها التخلي عن انتمائها للمجتمع، لأنها ستضطر إلى إقامة مجتمع آخر تربطها به رابطة اللباس. هكذا يبدو من المضحك لمن يزعم الانتصار للحريات الفردية أن يدفع بهذه الحجج التي لا تتمتع بأي سند قانوني أو حقوقي، ويطالب بما أسماه بالجرأة في الحسم في اتجه منع النقاب، مع أن كل النقاش والجدل الذي انطلق في فرنسا - وهنا لا بد من التمييز بين السياق الفرنسي الذي قد يبدو النقاب فيه من حيث الظاهر نشازا في المجتمع الأوربي، وبين السياق المغربي الإسلامي الذي يجد فيه النقاب بعض السند الشرعي- المفارقة أن المجلس الدولة الفرنسي حسم القضية من الناحية القانونية والحقوقية وانتصر للحريات الفردية؛ في انسام تام مع منطلقات العلمانية ومبادئها في حماية الحريات الفردية، بينما تم التمسك بحجج اليمين المتطرف، وزادت عليها حججا أخرى أكثر تطرفا؛ ليس فقط لتبرير المطالبة بمنع النقاب، ولكن للضغط في تجاه استصدار قرار من قبل السلطات المغربية. يبقى أن نشير أنه في كل عملية استيراد من الخارج، يكون من الأفيد أن لا يحضر الانتقاء، فتستورد حجج اليمين المتطرف ويتم التغافل عن قرار هيئة عهد إليها تقديم الاستشارة فيما يتعارض مع القانون والدستور العلماني الفرنسي، كما أن عملية الاستيراد دائما تتطلب النظر إلى السياق الذي يراد نقل النقاش إليه، وهو يعتبر هذا النقش من أولويات المغرب الراهن، أم أن هناك توجها يريد أن يفتعل قضايا لم تكن في يوم من الأيام لا هاجسا بالنسبة للسلطة ولا للمجتمع، وإنما يتم استيرادها لأهدف خاصة واستجابة لأجندات خاصة. بكلمة، حين يريد أي طرف أن يزعم الانتصار للحريات الفردية، فأقل ما يطلب منه أن يحكم نفس المبادئ التي تؤطره في التعامل مع الحريات الفردية، أو على الأقل أن يأخذ بعين الاعتبار الدرس الفرنسي البليغ الذي قدمه مجلس الدولة الفرنسي.