ما معنى أن تتحرك حملة منظمة ضد التجديد على خلفية نشرها لفتاوى عبر فيها فقهاء عن رأيهم الفقهي ومعظمهم ينتسبون إلى المجالس العلمية وبعضهم ينتسب إلى المجلس العلمي الأعلى؟ وما معنى أن تستثمر الأقلام المعروفة بعدائها للحركة الإسلامية مناسبة النقاش العلمي حول مضمون هذه الفتاوى لتجعل من ذلك مناسبة للطعن في اعتدال الحركة الإسلامية وتوجيه تهم غليظة ل التجديد؟ كان يمكن أن نقرأ هذه الحملة على أساس أنها تعبير عن خلاف النخب حول المشروع المجتمعي، وفي هذه الحالة، فالنقاش العلمي سيكون سبيلا ليس فقط لاختبار الأطروحات، ولكن أيضا لتطوير قواعد المساجلة العلمية بما يسمح ببناء مساحة مشتركة يتواضع عليها الجميع، ويتم بمقتضاها احترام رأي المخالف واستحضار الأمانة العلمية في النقل، والنزاهة في التعامل مع حججه، والانضباط لشروط المنهج العلمي. لكن لا شيء من ذلك تحقق . يبدو، من خلال متابعة أطوار هذه الحملة، أن الأمر لا يقتصر فقط على استهداف التجديد حين تتهم بالغلو والتطرف، ولكن ذهب عبرها، للمس بالعلماء وبحريتهم في الاجتهاد الفقهي، بل والمس أيضا بالمؤسسة الدينية من خلال استهداف المجالس العلمية والعلماء الذين يضطلعون بدور الإرشاد والتوجيه الديني. طبعا، المقصود من هذه الحملة هو أن يسكت العلماء وألا ينطقوا إلا إن كانوا سيباركون آراء أقلية مجتمعية مرتهنة في خطابها وتطلعاتها إلى الأطروحة العلمانية التي لا ترى في الدين إلا باعثا أخلاقيا مؤثثا لرؤيتها، وتتنكر للأبعاد المقاصدية والتشريعية والاجتماعية التي يحملها النص الشرعي بدعوى المخالفة للحداثة والتقدم! ولعل ما يكشف أبعاد هذه الحملة هو التخبط والتناقض الكبير الذي تقع فيه نخبة الأقلية هذه، وذلك حين يسمح بعض رموزها بالإفتاء بما يناقض أصول الشريعة ومقاصدها، بل وبما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع قيم المغاربة وثوابتهم. وهم إذ يفتون بحق الشواذ في ممارسة أنماطهم المعيشية الخاصة، ويطالب بعضهم بحذف المقتضيات القانونية التي تجرم الشذوذ الجنسي، وإذ يفتون أيضا بحق المغاربة فيحرية الإفطار العلني في شهر رمضان ويطالبون بحذف ما يجرم ذلك من القانون الجنائي، وإذ يفتون أيضا بجواز بيع الخمر للمغاربة ، ويعللون ذلك بالمنافع الاقتصادية التي تجلبها الصناعة الخمرية!، ويطالب بعضهم بحذف المقتضيات القانونية التي تجرم بيع الخمر للمسلمين أو تقديمها مجانا لهم، إنهم إذ يفتون بكل ذلك، لا يكلفون أنفسهم السؤال عن الجرأة والتطاول الذي يمارسونه ضدا على النص الشرعي ولا يوضحون للرأي العام المسالك الاجتهادية التي اعتمدوها، ولا يسألون أنفسهم عن الفوضى التي يمكن أن تقع في الفتوى من جراء مثل هذه الآراء التي لا تراعي نصا ولا تعليلا ولا مقصدا، بل ولا يكلفون أنفسهم السؤال عن مخالفة هذه الآراء والفتاوى الحداثية لنص القانون ومعارضتها لقيم المغاربة وثوابتهم، ومخالفتها لحجج العقول. إنهم للأسف لا يعيرون أي اهتمام بموقف المغاربة من آرائهم الشاذة هذه، والتي أقل ما تفعله أنها تهدم أسس الإجماع المغربي. طبعا، لا أحد اتهم الجرائد التي نشرت هذه الآراء والفتاوى الحداثية بالتطرف اللاديني، وحتى علماء هذه الأمة، والغيارى على قيم الشعب المغربي تعاملوا مع هذه الفتاوى على أساس أنها لا تلزم إلا أصحابها، ولا تعبر في أحسن الأحوال إلا عن رأي نخبة محدودة في العدد والفكر، وظل النقاش حول هذه القضايا المثارة محكوما بالاحترام والنقد العلمي ومصحوبا بالحجج العلمية.