أكيد أن الحق لا يُعرف بالرجال. وما قاله الأستاذ الساسي عن جريدة التجديد والهيئات المرتبطة بها ليس بدعا ولا افتراء، بل هو إقرار لحقيقة ظل الساسي وجل المثقفين يتواطؤون على عدم الخوض فيها صراحة ولا حتى غمزا. ولتكن هذه مناسبة للمشرفين على التجديد ليراجعوا عقائدهم ويغيروا قناعتهم نحو الاعتدال الحقيقي الذي تترجمه المواقف لا الشعارات. أما ما ظلت ولا زالت تنشره جريدة التجديد بمباركة الهيئات الناطقة بلسان حالها من فتاوى وعقائد لا يختلف في شيء عما جاء به فقهاء التطرف وأمراء الدم. فالمضمون واحد وإن اختلفت التعابير. ومثال ذلك أن الفتوى التي نشرتها التجديد لعبد الرزاق الجاي والتي يحكم فيها على قوانين الدولة في موضوع تعدد الزوجات بأنها لا توافق الشرع، لا تختلف في حكمها ومضمونها عن فتوى الفيزازي أو أبو حفص وغيرهما الذين كفّروا بناء على تلك الفتوى الدولة والحكومة لأنهما لا تطبقان شرع الله. فالتجديد كانت دائما ترفع لواء مناصرة المتطرفين والجهاديين/الإرهابيين في مقابل محاربة العلمانيين واليساريين. يقول السيد رشدي موضحا خلفيات هذه المناصرة «وتم الرفع من وتيرة الدفاع عن الفكر السلفي تحت يافطة الدفاع عن السنة ومحاربة العلمانيين الجدد الذين اخترقوا التنظيم، كما عبر عن ذلك يتيم في الرباط والحمداوي وبلاجي في أكادير !! بل وتم إسكات الصوت الداخلي الذي يدعو إلى فك الارتباط بالفكر السلفي والحركات السلفية، فكريا وإعلاميا. هذا لم يسمع له واستمرت التجديد وكتبتها في التشكيك في وجود ما يسمى بالسلفية الجهادية، أو الخلية النائمة، أو الصراط المستقيم، وغيرها من حركات العنف والقتل حتى وقع ما وقع». ورغم موافقة حزب العدالة والتنمية على مدونة الأسرة داخل البرلمان، فإن قناعته الحقيقية يتم تصريفها فقهيا عبر الفتاوى المناهضة للمدونة. هي نفس القناعة التي سبق وأفتى بها الدكتور الريسوني لما كان رئيسا للحركة وصاغتها الحركة نفسها، سواء في المذكرة التي رفعتها إلى اللجنة الملكية الاستشارية، أو باقي وثائق الحركة والحزب، وفيها يزعم فقهاء الهيئتين أن «الدعوة إلى السماح للفتيات بالزواج بدون إذن آبائهن وأوليائهن نموذج آخر لمصادمة نصوص الخطة ومقاصدها لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)». والغاية من نشر الفتاوى إياها رفع الشرعية عن قوانين الدولة واختياراتها ليتولى أمراء الدم وفقهاء التطرف الإفتاء بكفر الدولة والحكومة وفئات واسعة من المواطنين. وهذا ما نطق به صراحة وعلنا الفيزازي في جوابه عن سؤال: سيدي الشيخ، إذا كانت القضية بين تيار الكفر والزندقة والإلحاد.. فهل أنتم تكفرون الحكومة الحالية؟ الجواب : نعم. وأمام حدة الجواب وخروجه عن ضوابط النشر، اضطر موقع إسلام أون لاين إدراج الملاحظة التالي: «تعتبر شبكة إسلام أون لاين نفسها ضد منهج تكفير الآخر، أيا كان هذا الآخر.. وأقوال الشيخ قد تلزمه وجماعته فقط، ولذا لزم التنويه». وكان على جريدة التجديد، إن هي فعلا لا تعتنق فقه التكفير وثقافة الكراهية، أن تعلق أو تؤطر ما تنشره من فتاوى شاذة تناهض قيم المواطنة وأسس البناء الديمقراطي. ومن الفتاوى التي لا تختلف في شيء عن فتاوى وعقائد الفيزازي، ما نشرته للزمزمي في عدد 205، لما كفر اليساريين وأفتى بوجوب قتلهم. وقد اتخذ موضوع اغتيال المهدي بنبركة مناسبة للإفتاء وتعميم الفتوى على كل اليساريين كالتالي: «فكيف يكون شهيدا من كان قتله مشروعا بصرف النظر عمن قتله. وذلك لكونه خارجا على الأمة وثائرا على السلطان وفارا من القضاء ومارقا من الدين وواحدة من هذه الجرائم توجب قتله، فكيف وقد اجتمعت كلها فيه. فإنه لو أمكن قتله ثلاث مرات لكان ذلك واجبا في شرع الله». وإذا كانت الدولة أقرت بأخطائها وتصالحت مع ضحاياها، فإن فقهاء التكفير والكراهية يعملون على إكراه الدولة، بحكم شريعتهم، لاستئصال كل من لا يرضون عن عقائده الإيديولوجية وقناعاته السياسية. وإمعانا في تحريض الدولة والمجتمع ضد اليساريين، تصر التجديد على اتهامهم بمحاربة الله والتآمر لهدم الدين. وليس غريبا أن تنحو التجديد منحى التطرف والكراهية وهي لسان حال الحزب الذي يكون أبرز شعاراته في كل مناسبة أو بدونها «هذا عار واليهودي مستشار». فاليهودي ممقوت، أكان مواطنا مغربيا ووطنيا غيورا على بلده وكرامة شعبه أو كان صهيونيا. وهذه العقيدة هي التي ترجمها مفتو التجديد وتصدى لها الأستاذ الساسي والتي تحرم على المرأة زيارة الأطباء غير المسلمين. والتبريرات التي قدمها مدير التجديد بكون هذه الأخيرة تعمل على «نشر وعي ديني فقهي معاصر يعمل على التيسير ورفع الحرج وتقديم اجتهادات فقهية معاصرة تعمل على التخفيف من المعاناة بسبب الآراء الفقهية المتشددة»، تبريرات تجانب الحقيقة والواقع. ومع ذلك لنفترض جدلا صدق الأستاذ الخلفي ونسائله: هل فتوى التحريم على المرأة زيارة الطبيب الذكر ترفع المشقة وتيسر سبل العلاج ؟ ليذهب الأستاذ الخلفي وكل فقهاء التجديد في زيارة تفقدية لجميع الأطباء الذكور الاختصاصيين في أمراض النساء والتوليد، وفي جميع المدن المغربية، ويرون نسبة النساء الملتمسات العلاج على أيدي هؤلاء الأطباء. فهل الأمر يتعلق بثقة النساء في كفاءة الأطباء الذكور أم بمخالفة «الفطرة ومراعاة مصلحة الأسرة» كما تصورها فقهاء التجديد وكتابها ؟ لا شك أن فتوى التحريم هي تعنيف للمرأة وطعن في كرامتها وتمييز جنسي وعرقي وديني فضلا عن ضرب خطير لقيم المواطنة. فأي حرج هذا الذي تفترض التجديد أن تشعر به المرأة المسلمة عند زيارتها لطبيبة غير مسلمة لتفرض عليها بهذه الفتوى زيارة الطبيب الذكر المسلم ؟ وإذا ماشينا منطق مدير التجديد، فهل الحرج التي تشعر به المرأة المسلمة وهي تكشف «أعضاءها الحميمية» للطبيبة غير المسلمة أشد على نفسيتها ونفسية زوجها من الحرج الذي ينتابها وهي تكشف عن تلك الأعضاء لطبيب مسلم ذكر ؟ إذن ما القصد من فتوى التحريم على المرأة المسلمة زيارة طبيبة غير مسلمة في وجود طبيب ذكر مسلم إلا أن يكون تمييزا عنصريا ؟؟ وهل المجتمع المغربي بحاجة إلى فتاوى البدونة والعنصرية التي تعقد له حياته وتشق عليه دينه ؟ ألم تكن نساء المسلمين منذ فجر الإسلام يتكلفن بتطبيب وعلاج جرحى الغزوات من الذكور ؟ ألم يعرف المسلمون طبيبات مشهورات كن يعالجن المرضى دون تمييز بين الجنس والعرق أمثال : رفيدة بنت سعد الأسلمية والشفاء بنت عبد الله، وأم عطية الأنصارية -رضي الله عنهن؟ للحديث بقية.