قدم الساسي في الحوار المطول الذي أدلى به للزميلة الحياة دليلا كافيا على الخلفية الإيديولوجية التي تؤطر ردوده ضد فتاوى وآراء فقيهة نشرت في التجديد. فقد اعترف بأنه يمارس بما يكتب التعبئة في صفوف المجتمع ضد القيم التي تحملها حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، وهو بهذا الاعتراف لم يفعل أكثر من تأكيد ما سبق أن سجلته الردود التي نشرتها التجديد بخصوص هيمنة الطابع الإيديولوجي على كتاباته، والتأثير الذي تحدثه هذه الهيمنة على مستوى النقاش العلمي خاصة ما يتعلق بتأويل النصوص الشرعية والقانونية، وذلك عكس ما كنا نتمنى من أن يؤدي النقاش إلى حصول تطور في معرفة المتفق فيه والمختلف فيه، والتركيز على مناقشة الأدلة على تلفيق الاتهامات. هذا الاعتراف والإقرار من جهته يجعل القارئ يتشكك في الصفة العلمية والبحثية التي يحاول الأستاذ الساسي أن يقدم بها نفسه لاسيما وقد ثبت بالدليل أنه يسعى لتطويع المقتضيات الشرعية والنصوص القانونية بشكل متعسف، وممارسة الانتقاء والاجتزاء بشكل لا علمي، وأحيانا شخصنة الموضوع بشكل فج ، بما يخدم هدف هذه التعبئة الإيديولوجية، ويجعل من المشروع التساؤل عن علاقة ما يكتبه بالحزب الاشتراكي الموحد مادام يفعل الشيء نفسه مع ما ينشر في التجديد إزاء حركة التوحيد والإصلاح، وهو ما سيجعلنا في هذه المقالة نتوقف عن مخاطر العمى الإيديولوجي على النقاش الديموقراطي الهادئ، ويظهر ذلك بشكل واضح من خلال القرائن الآتية: 1 ممارسة التدليس: ففي حواره المنشور ب الحياة غير مضمون الفتوى، وأوهم القارئ أن الفتوى تحرم زيارة المرأة المريضة للطبيب الذكر، مع أن نص سؤال الفتوى يقصر الأمر على زيارة النساء الحوامل لطبيب الذكر وما يترتب عن الزيارة من كشف أعضاء حميمية، وهو ما ناقشه في مقاله الأول المنشور في الجريدة الأولى ثم اضطر بعد الرد عليه في التجديدإلى تحريف مضمون الفتوى خلافا لمقتضيات النزاهة العلمية، كما ولو كانت الفتوى تعمم الأمر، وتفتي بحرمة توجه المرأة إلى طبيب ذكر مطلقا، وهو ما لا يوجد في نص الفتوى، بل إن الأستاذ الساسي بعد تغييره لمضمون الفتوى، سمح لعقله الإيدلويوجي بترتيب خلاصات عليها من قبيل إن الفتوى تريد تنظيم المجتمع بشكل طائفي بحيث تتوجه فيه النساء إلى الطبيبات والرجال إلى الأطباء، ثم يلجأ إلى تحميل هذه الخلاصة للحركة والحزب، ليركب عليها خلاصة إيديولوجية مغرضة تنفي صفة الاعتدال عنهما وتنسبهما إلى التطرف والانغلاق. 2. الانتقاء والتشويه: ففي مناقشته لفتوى الأستاذ مولاي عمر بن حماد بخصوص الجلوس في مائدة فيها خمر في المؤتمرات الغربية التي يحضر فيها مسلمون، اكتفى الأستاذ الساسي بجزء من الفتوى يخدم هدفه التعبوي الإيديولوجي، وأغفل الاجتهاد الذي قام به الأستاذ بن حماد في إباحة الجلوس بعد استنفاذ الجهد إذا تعلق الأمر بمصلحة معتبرة، وهو تشويه مقصود لخلاصات الفتوى لا يقوم به باحث ذو مصداقية. ومن أمثلة ممارسته للانتقاء أيضا ، إصراره على الخروج بخلاصة عن توجه الحركة والحزب من خلال بضعة فتاوى يقدم فيها فقهاء جلهم - لا علاقة لهم بالتنظيمين المذكورين- آراءهم الفقهية بخصوص القضايا التي تطرح عليهم، بل يصل الانتقاء إلى مداه حين يختار الأستاذ الساسي بعض الفتاوى ليرتب عليها خلاصة في الوقت الذي يتغافل آراء فقهية ترد عليها بقوة أو تختلف معها، فيحرص على انتقاء ما يخدم هدفه التعبوي الإيديولوجي، ويستبعد ما لا يخدمه كما فعل مع فتوى الاحتجاز التي أفتى فيها عمر البستاوي ورد عليها بقوة الأستاذ مولاي عمر بنحماد، والأكثر من ذلك أن يتجاهل الرد على عدم معرفته بتفاصيل بعض الآراء الفقهية التي نشرت مثل رأي التسوق من بعض الأسواق التي تبيع الخمر مختلطا ببقية السلع. 3 شخصنة الخلاف: وقد وقع ذلك حين ادعى الساسي بوجود متنمصات في قيادات الحركة والحزب دون أن يقدم دليلا على ذلك، فهل يملك الساسي صورة لهذه القياديات وقد تفنن في ترقيق حواجبهن كما يزعم يستطيع أن يثبت ادعاءه. إن اللجوء إلى الشخصنة بهذه الطريقة الفجة، لا تمت بصلة إلى الذوق السليم في النقاش، فضلا عن إثارة قضايا تهم الحياة الشخصية لمن ناقشه دون تبيان وجه العلاقة مما سنعود له لاحقا. 4 التأويل المتعسف للنصوص القانونية لخدمة الهوى الإيديولوجي: ومن ذلك توسعه في التجريم باستعمال تأويلات بعيدة لنصوص القانون الجنائي، والتي اضطر بعد الرد عليه إلى حذفها تماما من نص حواره مع أسبوعية الحياة الجديدة دون أن يقر بخطئه العلمي في الاستدلال بالنص القانوني المتعلق بالامتناع عن تقديم منفعة أو أداء خدمة والذي أوله على عكس مقصوده وينقله غلى تبرير الحق في الاحتجاج على يومية التجديد أو النص الخاص بعرقلة نشاط اقتصادي أو نص قانون الصحافة الذي يضع التجديد تحت طائلة المحرضين ضد الأطباء المغاربة اليهود. 5 خدمة الخطاب الاستئصالي : فتطبيق ما قاله الساسي حينما ميز بين مهمته ومهمة الاستئصالي، فالاستئصالي في نقده للحركات الأصولية يتحامل ويبحث عن ذرائع لا تصمد أمام المنطق، أما هو فيقدم هذه الأشياء للمناقشة ويقدم الدليل. لكن عند تبيان تهافت الأدلة المستعملة وبروز تناقضها لا يقدم على المراجعة والاعتراف بالخطأ، فضلا عن اعترافه بلجوءه للتوسع في التأويل من أجل تجريم المخالف وذلك ضدا على المنطق القانوني، وهي مسلكيات تضعف من مصداقية الحوار الذي يرغب في خوضه وتجره إلى الانزلاق الواعي أو غير الواعي إلى خدمة الخطاب الاستئصالي.