لم يجد وزير الداخلية العراقي بيان جبر، العضو القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وعضو الائتلاف العراقي الموحد، حرجاً في القول ليس هناك مقاومة في العراق، بل إرهاب فقط، وكوزير داخلية، أتعامل مع كل شخص يحمل السلاح ويقتل الناس على أرض العراق كإرهابي. ولم ينس جبر أن يبرىء الجناح المسلح لجماعته مليشيا بدر من تهم اغتيال العلماء السنة، مشيراً إلى أن إرهابيين قد اعترفوا بشن هجمات على المساجد الشيعية والسنية لإثارة الفتنة الطائفية. لن نتحدث عن هذا الفصل الأخير المخزي في سياق مسرحية الإرهابيين التي تتخصص فيها مليشيات بدر لاسيما بعد اندماجها في الأجهزة الأمنية الرسمية، حيث تعتقل الأبرياء وتضطرهم تحت التعذيب إلى الإدلاء باعترافات مصورة تبثها قناة العراقية كان بعضها من اللون المضحك المبكي، حيث اعترف الإرهابيون بقتل أقربائهم وجيرانهم الأحياء كي يتخلصوا من التعذيب ويستشهدوا بأقل قدر من العناء ما دام القتل هو مصيرهم في كل الأحوال!! ممارسات لا يحق لمن يقترفونها أن يأتوا على ذكر صدام حسين وجرائمه، فصدام حسين لم يقل إنه قائد الثورة الإسلامية ولا حامل لواء الحسين بن علي، ولا المدافع عن الفقراء والمظلومين، أما هؤلاء فيرفعون أنبل الشعارات ثم يرتكبون أخس الجرائم. ثمة إرهاب لا يمكن إنكاره، لكنه إرهاب يسيء إلى المقاومة من جهة، فيما ترفضه القوى الفاعلة في العرب السنة، لكن الإرهاب الآخر، هو إرهاب رسمي لا يجد منفذوه حرجاً في تبنيه، فضلاً عن شرح أهدافه النبيلة!! وزير الداخلية إذن لا يرى في العراق مقاومة، بل إرهاب في إرهاب، أما أحمد الجلبي والطالباني، وحتى إياد علاوي فقد اعترفوا في أزمنة مختلفة بوجود مقاومة شريفة، الأمر الذي سبق أن اعترف به بوش نفسه، وينسى الوزير العظيم أن الإرهاب المذكور هو الذي جعل منه وزيراً يصول ويجول، ولولاه لما غادر هو وأصحابه مرحلة الاستجداء للمحتل، مع أنهم لم يغادروها عملياً إلا في الظاهر، وبالطبع في سياق الاستقواء على أبناء شعبهم وممارسة الجرائم الطائفية، الأمر الذي لا يبدو إشكالياً بالنسبة للمحتلين ما دام يطارد المقاومين ويضرب الرئة التي يتنفسون منها. تأتي تصريحات بيان جبر العنترية هذه في سياق التبرير، وربما التنظير لعملية (البرق) التي لم تنته فصولاً بعد، والتي طالت مناطق العرب السنة المحيطة ببغداد وانطوت على ممارسات بشعة بحق سكانها الأبرياء، وهو ما استفز العرب السنة جميعاً وجميع قواهم، لاسيما في ظل حجم الاعتقالات الرهيب الناجم عن المسح الشامل للمناطق المستهدفة بحجة مطاردة الإرهابيين، وبالطبع من خلال نظام الوشاية الذي لا يستند إلى أية معلومات استخبارية، وهذا الكلام ليس من عندنا، بل هو جزء من تصريحات للواء الركن مظهر المولى من قيادة الجيش في بغداد نشرتها صحيفة الحياة اللندنية، حيث اعترف بأن عربياً واحداً لم يعتقل في عملية البرق التي تتم بحسب قوله من دون تنسيق بين الداخلية والدفاع، وحيث تأخذ الأولى المحتجزين إلى أماكن خاصة بها، ربما كي يجري تعذيبهم من قبل رجال بيان جبر، ومن ثم تسجيل اعترافاتهم بقتل السنة والشيعة من أجل إثارة الفتنة الطائفية بحسب قول الوزير الذي أشرنا إليه سابقاً!! العملية إذن ماضية في ظل تواطؤ مفضوح من رئيس الحكومة إبراهيم الجعفري ومعه الرئيس طالباني الذي لا يهمه سوى مواصلة ابتزاز الشيعة في قضية كركوك، وفي ظل صمت عربي على الجرائم المتواصلة بحق العرب السنة على الصعيدين السياسي والأمني، لكن ما لا يدركه بيان جبر، ولا رئيسه إبراهيم الجعفري، ولا يبدو أنه يثير اهتمام جلال طالباني هو أن الحرب الأهلية قد غدت أقرب ما يكون إلى الحقيقة الواقعة، لاسيما وأن الأمريكان لا يبدون معنيين بوضع حد لها، فالاقتتال الأهلي قد يكون أكثر تحقيقاً للمصالح السياسية والنفطية إذا ما قورن بما يترتب على الوقوع بين مطرقة المقاومة وسندان المتحالفين مع إيران ومطالبهم بالسيطرة على العراق، لاسيما في ظل الترتيبات الجارية لإخراج الجيش الأمريكي من المدن وتسليمها تباعاً للأجهزة العراقية، ومن ثم التمركز في قواعد عسكرية بعيدة عن متناول المقاومة. إنهم جهلة يعبثون بأمن العراق وحاضره ومستقبله، وهم واهمون إن اعتقدوا أنهم بذلك يربحون المعركة ويحسمون اللعبة لصالحهم.