أشرنا هاهنا قبل ايام إلى الطبيعية التلفيقية لبيان مؤتمر الوفاق العراقي في القاهرة، والذي يؤكد أن إخراج المؤتمر من مأزقه والخروج ببيان يتجنب الاعتراف بالفشل كان هدفاً بحد ذاته، الأمر الذي تأكد مباشرة بعد ساعات وأيام من اختتام أعمال المؤتمر. مسعود البرزاني هو القطب الثاني في التحالف الكردي، وهذا الأخير ذهب في محاولة لشطب تصريحات زميله جلال الطالباني حول إمكانية الحوار مع المقاومة، إلى أنه لا توجد في العراق مقاومة بل مجرد إرهاب في إرهاب، والسبب برأيه هو أن القوات الأجنبية هي قوات تحرير، أو قوات صديقة، وكل ما يوجه لها هو إرهاب. هذا المضمون أكده عبد العزيز الحكيم زعيم ما يعرف بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وكذلك وزير الداخلية باقر أو بيان صولاغ الذي اعتبر أن تشريع المقاومة مواز لاعتبار وجود مليشيات مستقلة قانوناً، مضيفاً إذا كانت "هناك مقاومة فلا يمكنني أن أعمل لأنني لا أستطيع أن أميز بينهم وبين الشرطة. أما مسؤول منظمة بدر فاعتبر أن القوات الأجنبية موجودة بطلب من الحكومة العراقية، "فلماذا علينا قتلهم؟". خلاصة هذه التصريحات هي شطب كل ما رآه بعض العرب السنة مبشراً في المؤتمر لجهة الاعتراف بالمقاومة والتفريق بينها وبين المقاومة، على رغم أن الاعتراف قد جاء موارباً في نصه، حيث اعتبرت المقاومة حقاً مشروعاً لكل الشعوب، فيما ربط وجود القوات الأجنبية بتعزيز قدرات القوات العراقية. ما قاله مسؤول منظمة بدر يبدو منطقياً، إذ كيف تطلب الحكومة العراقية من قوات الاحتلال البقاء ثم تعترف بحق الآخرين في مقاومتها؟ من جهة ثانية كان عبد العزيز الحكيم، زعيم ما يعرف بالمجلس الأعلى للثورة العراق، ورأس التحالف الشيعي أو الائتلاف الموحد، يهيل التراب على النص المتعلق بوحدة العراق، على رغم أن ما فهمه البعض تأكيداً على وحدته لم يكن صحيحاً لأن ما تبقى من النص أو الفقرة كان يؤكد على الخيار الديمقراطي للشعب العراقي، ما يعني تشريع التفتيت ما دام يحظى بموافقة الغالبية التي تتوفر من خلال الشيعة والأكراد إذا كان المطلوب هو الثلثين أو من خلال الشيعة وحدهم إذ كان المطلوب هو النصف زائد واحد. عبد العزيز الحكيم الذي كان يتحدث أمام رموز عشائرية من الجنوب العراقي أكد أنه سيسعى إلى إقامة فيدرالية الجنوب بعد الانتخابات، ملمحاً إلى أنه سيطرح المسألة على مؤتمر بغداد القادم، وبذلك شطب تلك الفقرة التي احتفل بها البعض حول تأكيد وحدة العراق، أو تعامل معها وفق فهمه في أقل تقدير. في ذات السياق وفي أجواء مؤتمر القاهرة كانت صحيفة الاتحاد لسان حال حزب الطالباني تنشر نص مسودة دستور إقليم كردستان-العراق الذي يؤكد حق الأكراد "في تقرير مصيرهم في أي وقت وظرف يرونه مناسباً"، معتبراً "كركوك عاصمة للإقليم الكردي". بل ومضيفاً إلى مساحته أجزاء معتبرة من محافظتي نينوى وديالى، بل وواسط أيضاً!! ولا تسأل بعد ذلك عن الفقرات التي تتعامل مع الإقليم كما لو كان دولة مستقلة، وليس مجرد ولاية فيدرالية تابعة لدولة مركزية. هكذا يتأكد ما قلناه في مطلع المقال، كما يتأكد أن لا مجال لحسن النية في التعامل مع الائتلاف الشيعي بقيادته الحالية غير المعنية بوحدة العراق إذ لم يكن تحت هيمنتها المطلقة، فضلاً عن نهجها المفرط في طائفيته، كما لا مجال لحسن النية مع تحالف البرزاني والطالباني الذي لا يعنيه سوى طموحاته غير المشروعة في توسيع الكيان الكردي كمقدمة لاستقلاله الكامل، وأقله البقاء ضمن صيغة تضيف إلى الاستقلال غير المشرع حصة كبيرة من المركز.