كشف مصدر مطلع عن انتهاء المجلس الأعلى للحسابات من إعداد تقريره حول إثبات استعمال مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي قامت بها الأحزاب السياسية بمناسبة الانتخابات التشريعية المجراة يوم 27 شتنبر ,2002 وذلك بعد أن قامت مديرية الانتخابات بوزارة الداخلية في أكتوبر من السنة الماضية بتوجيه مراسلة للأحزاب من أجل تقديم المستندات الخاصة بذلك، وذكر المصدر أن التقرير المكون من حوالي 300 صفحة كشف عن اختلالات كبيرة في التدبير المالي الانتخابي لعدد من الأحزاب، كعدم تقديم المستندات المثبتة للنفقات المعلنة، أو تقديم مستندات غير قانونية أو غير قابلة للإدراج في النظام المحاسباتي المعمول به، وعدم احترام الآجال المحددة من قبل القانون، بل إن بعض المرشحين للانتخابات التشريعية بما فيهم ناجحون ما يزالون لغاية اليوم لم يقدموا الإثباتات المرتبطة بنفقاتهم الانتخابية وأوجه صرفهم للمساهمة المالية للدولة. ويمثل الدعم الانتخابي أحد أوجه الدعم الموجه للأحزاب ويرتكز في تنفيذ ومتابعة مدى احترام القانون فيه على مقتضيات المرسوم رقم 2٫93٫3 المؤرخ في 19 أبريل 1993 والخاص بتحديد المواعيد والإجراءات المتعلقة بإثبات كيفية استخدام الإعانات التي تقدمها الدولة إلى الأحزاب السياسية على سبيل المساهمة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها بمناسبة الانتخابات الجماعية والتشريعية، وتتوزع هذه الإعانات على مصاريف الصحافة والطباعة والملصقات، ومصايرف تنظيم الاجتماعات العامة، وكلفة شراء مختلف اللوازم التي تتطلبها الحملات الانتخابية، فضلا عن الأجور المقدمة عن مختلف الخدمات والأشخاص للقيام بأعمال في الحملات الانتخابية، ومن المفروض أن يقدم كل حزب سياسي مستندات الإثبات في أجل لا يزيد عن ثلاثة اشهر من تاريخ صرف الشطر الثاني من الإعانة والتي تقدم بعد احتساب نتائج الانتخابات حيث يشكل كل من الأصوات والمقاعد المحصل عليها المعيار المحدد في قيمة الدعم، ويرأس اللجنة المسؤولة عن تدقيق الحسابات خليفة لرئيس المجلس الأعلى للحسابات. وعبر عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عبد القادر عمارة أن أحد الأسباب المنتجة للاختلالات تعود للدولة نفسها والتي مازالت توجه مبالغ الدعم في الأسماء الشخصية للأمناء العاميين للأحزاب وليس في الحسابات البنكية الحزبية، مما يعوق إمكانية فرض الشفافية على التدبير المالي الانتخابي للأحزاب، فضلا عن تخلف النظام المحاسباتي للعديد من المكونات السياسية، من حيث غياب العمل بنظام الفواتير والشيكات المخططة وغير القابلة للتظهير، وغياب تقديم الحسابات المالية بشكل شفاف أمام الهيئات العليا على أساس العمل بالميزانيات، وإقرار نظام التدقيق الحسابي من خلال مكتب خبرة محاسباتية محايد. وقد شكل هذا الموضوع أحد محاور الإصلاح الانتخابي المطروح حاليا حيث تضمن مشروع القانون في بابه الرابع عددا من المواد لإقرار الشفافية في التدبير المالي الحزبي، حيث نص على أنه يجب على الأحزاب السياسية أن تمسك محاسبة، ويتعين عليها أن تودع أموالها باسمها لدى مؤسسة بنكية من اختيارها، وأن تحصر الأحزاب السياسية حساباتها سنويا، ويشهد بصحتها خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين، كما يتعين نشر البيانات المالية وملحقاتها في جريدة مؤهلة لتلقي ونشر الإعلانات القانونية، وأنه يجب الاحتفاظ بجميع الوثائق المحاسبية لمدة 10 سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله، وأنه يجب على الأحزاب السياسية التي تستفيد من الإعانة السنوية أن تثبت أن المبالغ التي حصلت عليها تم استعمالها للغايات التي منحت من أجلها، ويتولى المجلس الأعلى للحسابات مراقبة نفقات الأحزاب السياسية برسم الإعانة السنوية لتغطية مصاريف تسييرها ولهذه الغاية توجه الأحزاب السياسية للمجلس الأعلى للحسابات في 31 مارس من كل سنة على أبعد تقدير جردا مرفقا بمستندات إثبات النفقات المنجزة برسم السنة المالية المنصرمة، وأوضح نص المشروع أنهيعد كل استخدام كلي أو جزئي للإعانات المالية الممنوحة من طرف الدولة لأغراض غير تلك التي منحت من أجلها اختلاسا لمال عام يعاقب عليه بهذه الصفة وفق القانون. ويشكل ملف الدعم الانتخابي أول امتحان حقيقي في الجهد العمومي لإصلاح المشهد الحزبي، ومدى قدرة الدولة على تحريك مسطرة المطالبة باسترجاع الأموال العمومية التي صرفت في غير أوجه الإنفاق المخصصة لها، حيث يشبه البعض تحريك هذه المسطرة في حالة تحريكها بعملية تخليق للمشهد الحزبي. مصطفى الخلفي