لا يملك أي مغربي رجلا كان أم امرأة، وهو يتأمل في واقع المرأة المغربية، إلا أن ينضم إلى النداء الذي أطلقته نجية أديب في إحدى الجرائد الوطنية قبل أسبوع. فرئيسة جمعية ما تقيش ولادي دعت نساء المغرب إلى عدم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة احتجاجا على استمرار الرجال في تجسيد ثقافة يمكن نعتها اختزالا بالأنانية الذكورية. غير أن نداء أديب من شأنه أن يكون مقنعا وأكثر قوة لو كان متوازنا وعادلا في حق الرجل والمرأة على السواء. ولا يتعلق الأمر هنا بعصبية ذكورية عمياء، ولكن بالحاجة إلى نظرة شمولية لواقع العلاقة بين الجنسين. ويمكن اختصار توصيف أديب أنانية الرجال التي دفعتها إلى دعوة النساء إلى عدم الاحتفال بعيد المرأة في نسخته المائة ما دام الرجال مستمرين عليها، في كونهم لا يحفظون من القرآن سوى آية الضرب ويتغافلون آية الرحمة والمودة، ويرفعون سيف الحديث النبوي لو كنت آمرا أحدا بالسجود لأحد... ويتناسون حديث النساء شقائق الرجال، مادام لا يعتبر المرأة إلا ناقصة عقل ودين وحرث له يأتيه أنا شاء، مادام يلوذ بكون المرأة ضلع أعوج كلما ناقشته، ما دام يدافع عن المساواة فقط لتستطيع المرأة مساعدته على تكاليف الحياة الأسرية، ما دام يسأل عن عذرية المرأة دون أن يكون لها الحق هي لتسأل عن عذريته، ما دام يسألها عن ماضي تجربتها الجنسية دون أن يكون لها هي أن تسأله عن ذلك الماضي... ما دام يسرق النظر إلى صدرها دون عينيها وهي أمامه وإلى مؤخرتها حين تستدير... ما دام يعتبر كل النساء عاهرات إلا أمه ... ما دام سينتفض في وجه أخته حين يراها مع صديقها في حين أنه يرافق فتيات بعدد شعيرات إبطه ويغيرهن كما يغير جواربه... وختمت أديب تصويرها للرجل بقصة الفيلم المصري أحكي يا شهرزاد يظهر الرجل في قمة أنانيته حين يطلب منها أموالها وجسدها وأن تتخلى عن كل شيء مقابل أن يكون هو زوجها لتنتفض المرأة في وجهه قائلة: لو كان الجواز ما فيه غير النوم عَ السرير يبق من حقي أن اختار الراجل اللي ينام معايا. يا راجل يا عِرَّة. يكشف هذا التوصيف عن الصورة النمطية ضد الرجل التي تروج لها بعض النساء. وهي صورة تم نسجها مما تفرق من حثالة الفكر في المجتمع الذكوري. وبما أن أديب انتقدت الصورة النمطية ضد المرأة التي يروج لها بعض الذكور، والتي نسجوها من تعميم ما تفرق من حثالة الفكر في المجتمع الأنثوي، فهي تسقط بذلك في تناقض كبير يكشف أن منهج ترويج صورة نمطية ضد أخرى لا يحل لا مشكلة الاحتفال بعيد المرأة ولا مشكلة نظرة الرجال إلى المرأة. وثمة ملاحظات جوهرية في هذا الصدد حول مقالة أديب نجملها في الآتي: أولا، جعلت أديب بشكل غير مباشر الأنانية الرجولية أداة صلب كثير من النصوص الدينية. وبالرغم من محاولة إيحائها بكون الأمر يتعلق بتوظيف انتقائي للنصوص الدينية من قبل الرجل، إلا أن أسلوبها في التناول سرعان ما أسقطها في تحليل يؤصل في الغالب لتلك الأنانية في الدين أو في الثقافة الدينية، إما تمثلا لنصوص شرعية أو لثقافة مستمدة من فهم لها، مما يوحي بكون تلك النصوص المسؤول الرئيسي عن تلك الأنانية. ثانيا، بالرغم من نوع من القسوة المُتَفَهمَة في حق الرجال بهذه المناسبة، إلا أن أديب، وفي سعيها إلى توصيف العمى الذكوري، قد نجحت بامتياز في تصوير العمى الأنثوي أيضا. ذلك العمى الذي يحمل كل عوامل تعرية تضاريس العلاقة بين الجنسين للرجل وحده، ويقدم المرأة في حالة انتظار وانفعال بريئين. لقد كان حريا بأديب أن تناقش تفشي ثقافة المرأة هي الجنس، ومساهمة المرأة في تكريسها على أرض الواقع، وبعيدا عن تبرير بعض السلوكات المشينة فإنه من الغريب قصر المعاتبة على الناظر دون العارض حين يكون ما يلفت انتباه الرجل إلى المرأة هو صدرها وخصرها أولا ثم مؤخرتها ثانيا وفقط! وبعض النساء يقمن بالتصريح بممتلكاتهن، كما يقال، بشكل مثير وفي كل مكان وفي كل الأوقات، وكل حالها لا يمكن أن يفهم منه الرجل الذي تتحدث عنه أديب إلا أنها تقول له هيت لك! فهل الخوف من أن تفضي المقاربة النقدية للمرأة بندائها إلى الدعوة إلى العفة هو ما حمل أديب على تجاهلها؟ ثالثا، تنتصر أديب ضمنيا لنموذج ثقافي في العلاقة بين الجنسين، هو بالذات ما يشكل نقطة ضعف المرأة في معركة الكرامة والحرية. ذلك أن تحرير العلاقات بين الجنسين، الذي هو مطلب ذكوري في العمق، بمثابة طعم تتلقفه بعض النساء وتروج له. ويكشف واقع المرأة الغربية أن الجنس المتحرر هو جهنم التي تصلاها المرأة هناك يوميا، ونتنادى هنا لجمع الحطب لها بتفان. ونشير بسرعة في هذا الصدد إلى أن أسواق الرقيق الأبيض إلى أوروبا وأمريكا في القرن الواحد والعشرين عادت من باب تحرير الجنس، وتباع فيها مئات الآلاف من النساء سنويا، وينتج رقم معاملات لعصابات الذكور تضاهي ما تنتجه تجارة الأسلحة أو المخدرات. رابعا، تسرب مقاربة أديب للمساواة تطبيعا ضمنيا مع الزنا حين لم تهتم بمعالجته وحصرت الأمر فقط في حق المرأة أيضا في أن تسأل الرجل هو الآخر عن عذريته وعن ماضي تجربته الجنسية، لتتساوى معه في تغيير فتيانها هي الأخرى بعدد شعيرات إبطها وتغيرهم كما تغير جواربها. خامسا، يسرب نداء أديب صورة متدنية عن المحجبة جعلتها النموذج المناسب للرجل الذي تحتج عليه حين قدمها النداء في صورة ثناء هذا الأخير عليها كونها تقوم بفروضها الخمسة ولا تخرج إلا للعملن وتساعد الرجل في كل شيء ماديا ومعنويا! ومهما كان التصوير الكاريكاتوري للحجاب، فهو ليس سوى عنوان بسيط لما هو أعظم وأكبر، والذي هو العفة التي لا تحرير حقيقي للمرأة والرجل على السواء إلا بها. إن المشكلة الكبيرة في نداء أديب الاحتجاجي هو أنه لم يتحرر هو نفسه من عقدة الرجل ويدعو النساء إلى عدم الاحتفال بعيدهن فقط لأن الرجال لم يتغيروا، في الوقت الذي لا تنتقد تلك المرأة التي لا ترى في المجتمع إلا حلبة استعراض مفاتنها، والتي لا ترى في الحرية إلا تقديم نفسها قربانا للرجل في معبد الجنس. لقد كان حريا بأديب أن تدعو النساء اللواتي لم يستطعن التخلص من ثقافة الاستعراض التي تغذي لدى الرجل ثقافة تشييئها واستعبادها الجنسي والمادي، إلى عدم الاحتفال اليوم. فهل من سبيل إلى نقد ذاتي يخدم المرأة حقيقة وعمقا؟