باتت المقاربة التصالحية أمرا ضروريا في المغرب، وذلك من أجل تغليبها على المقاربة الأمنية التي أتبتث التجربة في العالم أنها تجربة متجاوزة ولا تؤتى أكلها بل تؤجج روح الصراع، و لا تزيد الطين إلا بلة، ومادام أن أحد شيوخ ما يعرف بالسلفية الجهادية، عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص، قد أعلن عن مبادرة شاملة تقبل بتوابث الأمة، وأجمعت على ما يوحدها، ودعت باقي المجموعات الأخرى لتبنيها وتفعيلها، حيث نعتبر أن هذه المبادرة صالحة لتكون اليوم أرضية لبداية حوار منتج وهادئ، وهادف، وفعال لطي هذا الملف الذي تأخر كثيرا، حيث أن الدولة المغربية بكافة أجهزتها الأمنية عليها أن ترد على المبادرة ردا إيجابيا صريحا حتى لا تستند على محيطها العربي والإسلامي والإفريقي، مع الإشارة إلى أن حالة المغرب في هذا المجال بسيطة، وعادية، وملفها غير معقد مثل اليمن، وموريتانيا، والجزائر، ومصر التي توجد بها تنظيمات جهادية، عكس المغرب الذي توجد به مجموعات غير متناسقة وليس تنظيمات، وأحيانا أفرادا معزولين لا يؤمنون حتى بالتنظيمات والجماعات. في المغرب يتعلق إطلاق هذه المبادرة لفائدة أشخاص أبرياء حوكموا محاكمات لا تنضبط، و المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وبالتالي نريد أن تكون المبادرة جريئة من الطرفين، لا مبادرة محتشمة كما حصل في نونبر من سنة 2008 التي كانت بداية لحوار بارد بين الدوائر الأمنية و النيابة العامة وبعض المعتقلين، ثم كانت فيها تغييب مؤسسة العلماء والمفكرين والحقوقيين. ولم تأخذ بعين الاعتبار آنذاك المبادرة التي قام بها منتدى الكرامة بتنسيق مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث كانت هذه المبادرة التي تلقى فيها المنتدى رسائل المجموعة الأولى التي ضمت 69 رسالة، رسائل المجموعة الثانية التي ضمت 89 رسالة، ورسائل فردية توصل بها المنتدى بعد ذلك. وكانت محاولة جادة لم يلتفت إليها آنذاك، كان هدفها دفع الدولة لتفعيل آليات العفو بهدف أنها العقوبة الحبسية التي تنفذ في حق المعتقلين في إطار مكافحة الإرهاب. وقد سبقت الإشارة في عدة مناسبات سابقة إلى أن هناك آليات أخرى غير العفو، ولكنها ذات طابع قضائي عبر مراجعة الأحكام القضائية بواسطة الطعن، وهذا لا يمنع من توظيف الآلية السياسية التي هي بمبدأ على مؤسسة في البلاد عبر عفو عام وشامل. وحسب وجهة نظرنا أنه لإنجاح المقاربة التصالحية لابد وأن تتم وفق معايير علمية عبر الحوار الذي هو أسلوب حضاري يقرب وجهات نظر، وإذا لم يوحد التصورات فهو يقربها مما أنه أسلوب ناجح في بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. كما أود الإشارة إلى أنه لابد من تحقيق معايير الكرامة للمعتقلين عن طريق تهيئ الجو النظيف مثل تعميمهم في مكان واحد يليق بالمقام وتوفير المراجع العلمية ليكون الحوار إيجابيا ومنتجا ليتناظروا فيما بينهم مع الأخذ بعين الاعتبار أن عددا منهم قد يفوق المائتان حسم الموضوع بوثيقة وهي عبارة عن رسائل فردية صادرة عن كل معتقل منهم يؤكدون فيها نبدهم للعنف وتمسكهم بتوابث الأمة، مثل هذه الملفات لا تحتاج إلا إلى البت فيها لأنها طلبات صريحة للعفو، إن لم يكن بعضها ضمني. تبقى مسألة مهمة في الأخير وهي الفرز في الحوار حتى لا يضع المحاورون مستقبلا البيض في سلة واحدة، وحتى لا يتأخر الحوار ويتبعثر أكثر مما هو عليه الآن لأنه في نظرنا، هذه المجموعات تنقسم إلى ثلاثة فئات كما سبقت الإشارة في ندوات عقدها منتدى الكرامة لمقاربة هذا الموضوع، مقاربة مندمجة في جميع أبعادها الفكري و الاجتماعي، والنفسي و الحقوقي. المجموعة الأولى: يمثلها معتقلون لا علاقة لهم بالعنف، والتطرف والإرهاب والتشدد أقحمت خطأ في هذا الملف ولا تشكل أي خطر على المجتمع وأمنه. المجموعة الثانية: تحمل أفكارا متطرفة أو متشددة أفضل لا تحمل في طياتها أبعادا إجرامية وهي بالفعل أيضا لا تشكل أي خطر على المجتمع المغربي، وهذا النوع من التشدد الفقهي و الخلاف المذهبي يزول بالمناظرة و الحوار وقد لا يزول بالضرورة ما دامت الدولة الديمقراطية تتمتع بالاختلاف و الخلاف و التعدد، ومهما يكن نوع الخلاف المذهبي و الفكري ما لم يترجم إلى أفعال جرمية مادية فإنه لا يعاقب عليه قانونا لأن القانون و الشريعة لا يعاقبان على النوايا و الأفكار، وإنما يعاقبان على ترجمتهما على أرض الواقع على شكل أفعال يجرمها القانون. المجموعة الثالثة: قد تكون قد تورطت في أعمال إجرامية دموية، ومالية تهدد أمن المجتمع واستقراره كثير من هذه العناصر و التي تنتمي لهذه المجموعة قامت بمراجعات وأبدت مرونة كبيرة في التعامل مع هذه القضية. وأنه عند عدم الالتزام بهذا الفرز والتصنيف القانوني والحقوقي المنضبط يقع الظلم، ويكون الحوار والمقاربة عير مجديين. نائب رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان