بحسب نائب الرئيس التنفيذي ومدير الأخبار في قناة (الحرة) وإذاعة سوا، موفق حرب، وهو شيعي لبناني أمريكي، أو العكس إذ شئنا الدقة، فإن فضائية الجزيرة هي حركة سياسية وليست محطة تلفزيونية عادية. جاءت تصريح حرب هذا في سياق ندوة بعنوان وسائل الإعلام والشرق الأوسط، نظمها قسم الشرق الأوسط في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن بمشاركة الأكاديمي والباحث البريطاني من أصل لبناني، بيرسي كامب، والبروفيسور غريغ فيلو، مدير الأبحاث في جامعة غلاسكو. في الندوة منح موفق حرب للجزيرة وساماً لم تحلم به؛ هي التي يشكك الكثيرون في أصلها وفصلها، ربما من باب عقد الشك المزمنة عند الكثيرين، فقد ذهب قائد عمليات الحرة إلى أنه وبفضل أخبارها المثيرة أطلقت الفضائية القطرية الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة!! ليس لدينا النص الكامل لكلمة حرب في الندوة، فقد اعتمدنا على التغطية السريعة لها من خلال صحيفة القدس العربي اللندنية، لكننا لا نستبعد البتة أن يكون الرجل قد اتهم الجزيرة أيضاً بالمسؤولية عن إطلاق المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، لاسيما وأن زملاء له من الأمريكان والمتأمركين العرب والعراقيين قد فعلوا ذلك مراراً في تصريحات معلنة. بل إن إغلاق مكتب الفضائية القطرية في بغداد قد جاء على خلفية اتهامها بتشجيع الإرهاب!! يفرق موفق حرب بين تمويل دولة ديمقراطية مثل الولاياتالمتحدة لأي مشروع إعلامي وبين تمويله من قبل ملوك وأمراء ورؤساء عرب غير منتخبين، لكنه ينسى على سبيل المثال أنه كان قبل عمله في الحرة مراسلاً لصحيفة يمولها أمير عربي، وأن ثمة وسائل إعلام عربية تمول من جيب الأمراء والزعماء العرب (من جيب الشعوب إذا شئنا الدقة) تزايد في محبة أمريكا على الأمريكان أنفسهم، كما ينسى أن مصروفات (الحرة) لا تأتي من قسم العلاقات العربية في الخارجية الأمريكية، بل من ميزانية الحرب على العراق، الأمر الذي يجعلها مجرد دبابة في جيش الاحتلال، ويفقدها تبعاً لذلك الحد الأدنى من المصداقية. لسنا مكلفين بالدفاع عن الجزيرة، إذ إنها، وإن بدت الأفضل في زحمة الفضائيات المرعوبة من سوط المحافظين الجدد، إلا أنها أقل بكثير من طموح المواطن العربي في التعبير عن همومه وقضاياه. أما حكاية المهنية فهي آخر ما يمكن أن يتحدث عنه موفق حرب، ذلك أن ما يقدم على شاشته لا يعدو أن يكون ترويجاً فجاً للبضاعة الأمريكية. يظهر ذلك في مقدمي البرامج وطريقة أدائهم، وطبيعة الضيوف من الألوان المختلفة، ونحن نتحدى موفق حرب أن يكون موضوعياً أو مهنياً في الصراع العربي الإسرائيلي أو في الملف العراقي، أو أن يذهب إلى الشارع الأفغاني ليتابع وجهة نظره في البركات التي هلت عليه مع دبابات الاحتلال، فضلاً عن تطور زراعة المخدرات وحال المرأة الأفغانية التي جاءت جيوش بوش لتحريرها من برقع طالبان!! لن نتحدث عن الانحياز الطبيعي من جانب موفق حرب للسادة الذين يشغلونه ويدفعون له (من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد)، مع أن بعض ذلك الانحياز قد يكون طبيعياً بالنسبة لكثير من النخب في العالم العربي والإسلامي، لكننا نعتقد أن مهمة حرب في ترويج الغطرسة الأمريكية بحق أمتنا بوصفها لوناً من ألوان تمرينها على تقبل الحرية والديمقراطية هي مهمة عسيرة لا تملك أي أفق للنجاح. أما هجاؤه للجزيرة فلا شك سيصنف بوصفه مديحاً لها، في ذات الوقت الذي سيعني بالنسبة للشارع العربي والإسلامي نوعاً من الإساءة لفضائيات أخرى لا تملك حرجاً في الانحياز للبضاعة الأمريكية، وبالطبع تحت عناوين الدقة والموضوعية والمهنية!!