مؤشرات عديدة بدأت تبرز على السطح، وتكشف عن رغبة ملحة من قبل بعض الجهات في تطويع المشهد الثقافي والإعلامي والحقوقي والحزبي وتوجيهه قسرا نحو خدمة التوجه الاستئصالي. كل ذلك تحت زعم الدفاع عن الحريات الفردية، والذي بلغ في الآونة الأخيرة حد التجييش الدعائي لمصلحة مشروع الحزب الوحيد الجديد، تحت دعوى جبن الأحزاب عن الدفاع عن حق المغاربة في الحرية، مثلما جاء في ركن من صميم الأحداث ليوم أمس الأربعاء. لا نريد الوقوف عند ما حصل في بيت التجمع الوطني الأحرار. فالمواقف التي صدرت في برنامج حوار أمس الثلاثاء عن صلاح الدين مزوار ضد ما وصفه بالظلامية، واصطفافه إلى جانب الأصالة والمعاصرة رغم وجود هذا الأخير في المعارضة الوهمية، كل ذلك كاف لتفسير الانقلاب الذي وقع، لكن ذلك يصبح هينا إذا ما قورن بالانقلاب الذي شهده موقف يومية الأحداث المغربية، والتي كانت إلى زمن قريب رافضة لمشروع الوافد الجديد ومصرة على الديمقراطية والممانعة لهجمة المشروع السياسي الإداري الجديد. فقد دقت هذه اليومية آخر مسمار في نعش بعض مواقفها الشجاعة التي كانت تعبر عنها بخصوص هيمنة الوافد الجديد على الساحة السياسية والمنحى التراجعي الذي يعرفه المسلسل الديمقراطي بسبب الممارسة السياسية التي جاء بها هذا الحزب، لتعلن تحت مسمى الشجاعة الوهمية عن ميلاد خط تحرير جديد عنوانه حزب الأصالة والمعاصرة هو الذي يضطلع بالدفاع عن حق المغاربة في الحرية، وهو الحزب الوحيد الذي يعتبر أن نقاش الحريات الفردية يستحق اليوم أن يطرح ويدافع عنه ولو اضطره الأمر إلى التموقف ضد الإسلامويين. وقبل هذه الافتتاحية، نقل أحد كتبتها في الواجهة تهديد وتوعد جهة ما للإسلاميين أعطى لنفسه حق التحدث باسمها قائلا نقول: إن المغرب سيدخل في الأيام والشهور القادمة، مرحلة أخرى في التعامل مع المتاجرين بالدين الإسلامي تماما مثلما دخل مرحلة حاسمة في التعامل مع من يستهترون بقضايا الوحدة الوطنية، بل إن هذا المحرر بعد أن أزال معطفه الصحفي، تجاوز سقف الناطق الرسمي باسم هذه الجهات، وأعطى لنفسه حق الكشف عن ما تفكر فيه بعض مراكز القرار في المغرب، وقال التفكير جار على أعلى المستويات، وعسى أن تحمل لنا الأيام القليلة القادمة أو لنقل الأسابيع ما قد يطمئننا على ديننا، بالرغم من أن هذا الكاتب لم يستح من أن يعتبر رفع آية في لقاء حزبي من أدلته المزعومة عن المتاجرة بالدين. البعض حقيقة، يريد لهذا القرآن أن لا يستشهد به، وأن يمنع الآخرين من الاستشهاد به، وكأن القرآن جاء ليبقى محنطا يستعمل فقط للتبرك وللقراءة على الموتى، أما أن يكون مرجعية للدولة والمجتمع، كما هو منصوص عليه في الدستور، فهذا عنده مرفوض، لاسيما وأن بلادنا قطعت أشواطا مقدرة في تقنين العلاقة بين المجال السياسي والديني، وهو ما عززه نضج الحركة الإسلامية المعتدلة بالمغرب، وسبقها في رفض تسييس المساجد ومقاومة استغلال خطبة الجمعة في الصراع الحزبي والتنافس الانتخابي، ودعم مشروع هيكلة الحقل الديني، مما حال دون انزلاق المغرب لما تشهده دول عديدة في هذا المجال. هل نذهب بعيدا، ونطلب شيئا من الحياء للبعض الذي يسير في طريق التحول إلى عراب للمشروع الاستئصالي الذي فشل بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية في أن يصبح اختيارا للدولة، لكنه اليوم لا يتردد في اللعب على ورقة المتاجرة بالدين وحق المغاربة ي الحرية مقدما نفسه كعراب لمنطق الحزب الوحيد. بكلمة؛ إن إرسال لغة التهديد والوعيد عبر هذا المنبر أو ذاك، تحت مسميات متعددة، باسم الدفاع عن الحريات الفردية حينا، وباسم حماية الأمن الديني للمغاربة حينا آخر، وباسم احتكار الحديث باسم مشروع الملك، كل ذلك لا يمنع القوى الحية في هذه البلاد من أن تقدم مساهمتها في دعم المسار الديمقراطي لهذا البلد، وتعزيز الحريات العامة فيه، والممانعة دون ارتداد المغرب إلى عهود الممارسة السياسية البائدة التي قطع المغرب أشواطا كبيرة من أجل تحسين صورته عبر التصالح مع مواطنيه والانخراط في تعزيز دولة الحق والقانون ودعم تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين.