السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فكرت طويلا قبل أن أمسك القلم لأخط لفضيلتكم ومن خلالكم إلى أصحاب الفضيلة السادة العلماء في المجلس العلمي الأعلى وفي المجالس العلمية المحلية هذه السطور في موضوع هو من صميم عملكم الرسمي ومسؤولياتكم العلمية التي أناطها الله بكم، حيث انعم عليكم بحظ من ميراث النبوة، وهو الميراث الذي يضع على كاهل أهله مسؤوليات وواجبات يجب القيام بها، وإلا تعرض من أخل بها للوعيد الوارد في ذلك، والذي تعرفونه ولا شك أنكم تذكرونه جيدا. ويضاف إلى هذا، الأصل الذي يتقاسمه معكم كل من أنعم الله عليه بحظ من هذا الميراث، ذلك الواجب الثقيل الذي طوقكم به أمير المومنين عندما أناط بكم مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي على المنكر ومناصحة المسلمين عامتهم وخاصتهم، وذلك عن طريق الإفتاء والدرس والتوجيه والإرشاد. وقد دفعني إلى مكاتبتكم ما كتبتموه في أحد أعداد المجلس، العدد الأول من رمضان 1428 أكتوبر 2007 ص 18 حيث قلتم في بداية مقالكم بعنوان: تجربة المغرب نموذج مبتكر في تفعيل رسالة العلماء وتجديد حيويتها ما يلي: يبدو أن إحداث المجالس العلمية قد جاء لوضع العلماء في معترك الإصلاح وفي قلب المجتمع... إلى أي مدى تسعى المجالس، وفق هذا الأفق، إلى تجذير دور العالم في مشهدنا الراهن؟ وهل يشكل عمل العلماء داخل المجالس امتداد لفاعليتهم التي تحققت على امتداد تاريخ الدولة المغربية، وتطوير لها؟ أم أن البعد الرسمي المشكل لتلك المجالس يؤثر على حرية العلماء المنخرطين فيها، ويحد من إشعاعهم؟ وأضفتم قائلين: أود في البداية التذكير بأن للعلماء جذورا ضاربة في عمق تاريخ المغرب. فليست مؤسستهم العلمية وليدة الصدفة ولا هي آتية من فراغ. علماء المغرب كانوا شهود ميلاد دولة الإسلام فوق هذه الربوع، من أول يوم أبصرت فيه الحياة، هم الذين باركوا ميلادها وأعلنوه وبشروا به، وعززوه ونصروه ومكنوا له ولم يكلوا أمره إلى الصدفة لكي تقرر مصيره، بل نظروا فيه بثاقب بصرهم ونافذ بصيرتهم. فهداهم الله إلى اعتماد أسس شرعية وقواعد علمية اتخذوها مرجعية تستمد منها الدولة شرعيتها وتقيم على أساسها فلسفتها في تدبير شؤون الدين والدنيا. وتتخذ منها الأمة مقومات وحدتها وجمع كلمتها. وعلى امتداد التاريخ الإسلامي، ذي الألف والأربعمائة عام أو تزيد وفي مصاحبة حقيقية لسياسة الدولة والممالك المتعاقبة على العرش المغربي، مارس علماء الأمة بأمانة وإخلاص وظيفتهم الشرعية في حراسة الأمن المعنوي وتأطير حياة المجتمع دينيا وعلميا وتربويا واجتماعيا وحتى سياسيا، تاركين في كل حركة للناس في مجتمعهم بصمات إصلاحية واضحة المعالم، دالة على حضورهم المتميز وتأثيرهم القوي في توجيه الأحداث، الوجهة الصحيحة الملتزمة بالمرجعية الضابطة لسياسة الدولة وقيم المجتمع. هذا ما كتبتموه بالحرف. وإنني في هذه السطور التي آثرت أن تكون علانية ومفتوحة ما دمت اخترت أن تكون عامة لك أولا ولكل العلماء، أريد أن أذكركم بجزء مما سطرتموه أعلاه فأنتم ولا شك متتبعون لما يتعرض له الإسلام والقرآن من التهجم والمطاعن من طرف أناس منا ومن جلدتنا من جهة، ومن جهة أخرى من طرف أناس آلوا على أنفسهم العمل على زعزعة عقائد المسلمين من خلال عمل التنصير بكل الوسائل التي تعرفونها والتي تحدثت عنها وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها وأنواعها وتعدد مشاربها. وهذا أمر يكاد يكون مرضا مزمنا، لأن أولئك مصرون على عملهم مهما كلفهم الأمر، فالهدف هو أن يردوا المسلمين عن دينهم إن استطاعوا. أما الطرف الآخر الذي هو من بين قومنا فهو صنفان من الناس كذلك: صنف غالى وأفرط ولاشك أنه أخذ حظا من عنايتكم، فلاشك أن ما عقد من ندوات وما قيل وما لايزال يقال يدل على أن الاهتمام بهذا الصنف من المغالين موجود، وإن كان الأسلوب قابلا للنقاش، فعلى أي حال ما صدر عنكم من بلاغات وبيانات في الموضوع معروف، وبالأخص ما يتعلق بصاحب الفتوى الشهيرة في موضوع تزويج الصغيرة أو القاصرة حسب تعبير مدونة الأسرة. أما الطرف الآخر فهو ما يمكن تصنيفه في إطار التفريط في الغلو، أي أولئك الذين يغالون في علمانيتهم إلى حد مهاجمة الأحكام الشرعية ومصدريها الأساسيين القرآن الكريم والسنة النبوية. لقد قرأ الناس في الأيام الأخيرة ولاشك أنكم قرأتم مثلهم ما وجه للقرآن الكريم وللإسلام والمسلمين من كلام غير مسؤول وغير سليم، وكان الواجب التصدي له كما تم التصدي لمن أفتى بغير ما ورد في المدونة، وإن كان مدونا فقها في مختلف كتب الفقه والتفاسير والسير. إنني شخص لست ممن يدعو إلى المحاكمات أو قمع من يعبر عن رأي ولو كان مخالفا، ولكني ممن يؤمن بالنقاش العلمي الهادي ورد الأمور إلى نصابها بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، إذ هي الأسلوب الأجدى والأنفع، ولأن يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس، كما قال عليه الصلاة والسلام. إن بعض الناس في هذه الأيام كما تمت الإشارة أعلاه هاجم كتاب الله ونعته بالتناقض والدعوة إلى العنف وغير ذلك مما اختار من الأوصاف للإسلام والمسلمين، وكلها أوصاف قدحية تجافي الصواب وتجتنب محجة النقاش أو النقد أو إيراد الإشكالات لحلها، وقد كان الكثير من الناس ينتظرون موقفكم وإعادتكم الأمور إلى نصابها بتوضيح ما يجب توضيحه، وتفنيد ما يجب تفنيده ليكون الناس على بينة من الأمر، وليهلك من هلك على بينة ويحيا من حيي عن بينة. إن الناس كما تعرفون ذووا طبائع وأغراض وذووا خلفيات فكرية وإيديولوجية كما يقال، فينبغي أن يوضع كل في مكانه وحسب خلفيته أو طبيعته، فقد يكون هناك من يحب أن يعرف ويشهر بين الناس حتى ولو على حساب قيم دين ومجتمع، وقد يكون التجاهل في بعض الأحيان مضرا من حيث لا يشعر الإنسان، لذلك فإن رد الأمور إلى نصابها من ضمن رسالتكم التي حددها الرسول عليه الصلاة والسلام، عندما قال محددا رسالة العلماء: يحمله من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والذين يعرضون اليوم بالإسلام والقرآن صراحة أو تلويحا لا يخرجون عن واحد من هؤلاء الثلاثة، ومسؤولية العلماء محددة في هذا الإطار. والله الموفق والهادي إلى أقوم طريق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عن العلم