كشف النقاش الدائر في المغرب حاليا حول الخمر تغييبا مقصودا للحديث عن أضراره الصحية والمجتمعية، وتم التركيز على المقاربة الحقوقية التي تتوسل بالحريات الفردية للمطالبة برفع الحظر القانوني على بيع الخمور وتداولها. وبعد أن أكدت الدراسات والتقارير المختلفة الدور المركزي للمشروبات الكحولية بكل أنواعها في ارتفاع الجريمة وفي ارتفاع حوادث السير وفي الطلاق وفي انتشار العنف خاصة ضد النساء والأطفال، وبعد أن أكدت البحوث العلمية الغربية ارتباط الإصابة بالسرطان باستهلاك الكحول... بعد كل هذا تنكشف خطورة ما يمثله الخطاب الداعي إلى التطبيع مع الخمر وإلى رفع الحظر القانوني عن استهلاكه وما يمثله من تهديد لأمن المجتمع. وما يزيد من خطورة مثل هذا الخطاب تنامي استهلاك الخمور في المغرب جراء انتشار شبكة ترويجه، سواء على مستوى الأسواق الكبرى التي أصبحت تغزو الأحياء الشعبية، أو على مستوى الحانات والفنادق ودور القمار وغيرها من نقط الترويج التي تتنامى يوما بعد يوم. وإذا كانت الأرقام الكاشفة لأضرار المشروبات الكحولية بكل أنواعها كافية لفضح تهافت الخطاب العلماني في المغرب، فإن اعتماد الدول الغربية المتقدمة، مثل فرنسا، سياسات خاصة أدت بالفعل إلى تراجع كبير ومتنامي في استهلاك الخمور فيها، يجعل خطاب العلمانيين المغاربة غارقا في التخلف وواقعا في أسر وخدمة السياسات التجارية للشركات المنتجة للمشروبات الكحولية. تؤكد المعطيات التي كشف عنها مكتب الصرف والمعطيات التي نشرتها الشركات المنتجة للخمور في المغرب أو المصدرة إليه حقيقتين تؤكدان وجود سياسة تجارية تهدف إلى إغراق المغرب في الخمر. وتؤكد تلك المعطيات أن إنتاج الخمور في المغرب واستيرادها من الخارج في زيادة مطردة، كما تؤكد أن استهلاك الخمور في المغرب في زيادة مطردة أيضا مقابل تناقص في حجم صادراتها إلى الخارج. وفي غياب المعطيات الرقمية الكافية التي تربط بين استهلاك الكحول ومختلف الكوارث الاجتماعية ومساهمة في تسليط الضوء على جانب الأضرار الكارثية لاستهلاك الخمور على أمن المجتمع في مختلف جوانبه الصحية والاجتماعية، تفتح التجديد هذا الملف من جديد مساهمة منها في تنوير الرأي العام، من زاوية جديدة ترتكز بالأساس على تقديم السياسة الفرنسية في التعامل مع الكحول.