رفض غالبية الناخبين الفرنسيين الدستور الأوروبي المقترح في الاستفتاء الذي أجري الأحد الأخير، الأمر الذي وصف بأنه زلزال أوروبي يهدد المصالح الفرنسية، وأثار مخاوف من أن يؤدي إلى تفكيك السوق الأوروبية الموحدة. وقالت وزارة الداخلية الفرنسية مساء الأحد إن نحو 56% من الناخبين الفرنسيين صوتوا بلا مقابل 44 % قالوا نعم. وقالت الحكومة الفرنسية: إن نسبة الإقبال على التصويت فاقت ال66%. وأعلن الرئيس جاك شيراك تسليمه بالقرار السيادي للمقترعين، ولكنه نبه إلى أن هذا القرار جعل من الصعب الدفاع عن مصالح فرنسا في أوروبا، معتبرا أن الناخبين الفرنسيين سجلوا إحباطهم تجاه الحكومة الحالية في الاستفتاء. لكن شيراك شدد في الوقت نفسه على أن فرنسا ستوفي بالتزاماتها الأوروبية، وأن على باقي الدول المضي قدما في التصويت بغض النظر عن هذه النتيجة. وفي كلمة بثها التلفزيون الفرنسي قال شيراك وعلامات الإحباط بادية عليه: أنوي الرد على ذلك بإعطاء حافز جديد وقوي لعمل الحكومة، خلال الأيام المقبلة سأعلن قراراتي بشأن الحكومة وأولوياتها، في إشارة إلى تعديل وزاري متوقع. ووصفت وسائل الإعلام العالمية رفض الدستور الأوروبي من جانب فرنسا بأنه يمثل زلزالا لأوربا. وتعليقا على الرفض الفرنسي قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية أمس: إن الرفض الذي صدر من إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوربي سيؤدي إلى وأد الدستور الأوروبي الموحد؛ لأن من شروط إقرار الدستور موافقة جميع الأعضاء ال 25 بالاتحاد. وأضافت الصحيفة أن من شأن الرفض أيضا أن يجبر الدول ال25 على الالتزام بالتعامل وفقا لقوانين ومؤسسات أنشئت بالأساس لخدمة الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم ستة أعضاء فقط؛ وهو ما حذر مسؤولون أوروبيون سابقا من أنه قد يصيب أوروبا بالشلل. وفي أسوإ الأحوال، يخشى السياسيون الأوروبيون من أن يؤدي الرفض الفرنسي الذي تبناه بالأساس مناهضون لسياسات حكومة شيراك، ومعارضون لسياسات السوق الحرة إلى تقويض طموحات أوروبا الساعية لخلق صوت واحد يتحدث باسمها في مواجهة التحديات العالمية، وقد يؤدي إلى تفكيك تدريجي للسوق الأوروبية المشتركة، حسبما ذكرت الإندبندنت. ولم يستجب الفرنسيون لتحذيرات شيراك بأن هذا الرفض سيضر بالاتحاد الأوروبي وفرص الانتعاش الاقتصادي بفرنسا. كما أن هذا الرفض قد يؤثر على وضع شيراك كزعيم أوربي يقود حملة النهوض بمؤسسات الاتحاد ليتحول إلى قوة اقتصادية وعسكرية تنافس الولاياتالمتحدة. ورأى محللون أن الفرنسيين برفضهم الدستور الأوروبي عاقبوا الرئيس الفرنسي وحكومة جان بيير رافاران نتيجة الاستياء تجاه السياسات الاجتماعية، وارتفاع نسب البطالة لأعلى معدلاتها منذ 5 سنوات. من جانبه وصف نيكولا ساركوزي زعيم حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الذي ينتمي إليه شيراك النتائج بأنها هزيمة مخيبة حقا للآمال، وحدث سياسي كبير، ودعا لتغييرات كبرى في النظام الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي. كما حث باقي الدول على المضي قدما في التصويت. وعلى الصعيد الاقتصادي أبدى تيري بيرتون وزير المالية الفرنسي في تصريح لمحطة تلفزيون فرانس 2 أمس مخاوف من أن فرنسا ستدخل مرحلة من الغموض الاقتصادي الكبير، بعد رفض الناخبين الفرنسيين للدستور. وعلى الجانب الآخر دعا زعيم حزب الجبهة القومية اليميني المتطرف جان ماري لوبان الذي ساند حملة رفض الدستور، الرئيس الفرنسي للاستقالة، قائلا: لا يحق له الاستمرار رئيسا للدولة. وعلى صعيد ردود الفعل الأوروبية قال جان كلود يانكر رئيس وزراء لوكسمبرغ التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي: إن عمليات التصديق على الدستور الجديد من باقي الدول الأعضاء يجب أن تستمر بالرغم من الرفض الفرنسي. واعترف رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو بأن النتيجة تعني أن الاتحاد الأوروبي سيواجه أوقاتا صعبة، إلا أنه أعرب عن ثقته بأن الاتحاد سيواجه هذا التحدي. ووافقه في الرأي وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الذي قال: إن النتيجة طرحت تساؤلا عميقا عن مستقبل أوروبا، وطالب بفترة من إعادة النظر قبل قمة مجلس الاتحاد الأوربي المقبلة المقررة في يونيو ,2005 التي قال: إنها ستحدد ما يجب أن يحدث في الخطوة التالية. واعتبر المستشار الألماني جيرهارد شرودر أن رفض فرنسا للدستور الأوروبي لا يعني نهاية الشراكة الفرنسية الألمانية في أوروبا. وقال شرودر: نتيجة الاستفتاء ضربة للعملية الدستورية، ولكن ليست نهايتها.... وفي هولندا دعا رئيس الوزراء يان بيتر بالكنندة الناخبين الهولنديين إلى الموافقة على الدستور الأوروبي الجديد في استفتاء تجريه هولندا غدا الأربعاء رغم رفض فرنسا للدستور. وقال بالكنندة للصحفيين في لاهاي: هناك ما يدعو جدا لقول: نعم؛ حتى يمكن تسجيل بعض التقدم في تلك المعاهدة الدستورية.... وأظهرت أحدث استطلاعات الرأي ارتفاع نسبة المعارضة في هولندا للدستور. ويهدف الدستور الأوروبي إلى تنظيم عملية اتخاذ القرار داخل الاتحاد بعد توسعته. ويتعين موافقة جميع الدول ال25 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على الدستور حتى يدخل حيز التنفيذ، ومن شأن رفض الفرنسيين أن يبعثر حسابات سياسيي أوروبا، ويطرح تساؤلات حول دور فرنسا داخل الاتحاد.