أعلن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التجميد المؤقت للاستيطان لمدة عشرة أشهر في الضفة الغربية واستمرار النشاط الاستيطاني بالقدس، وربط قيام دولة فلسطينية بأن تكون منزوعة السلاح مقابل الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، وأن القدس هي العاصمة الأبدية لهذا الكيان. هذا الإعلان كان في الغالب بضوء أخضر أميركي ومن الغرب بشكل عام، بدليل أنه لقي مباركة سريعة من الخارجية الأميركية والفرنسية وغيرهما، معتبرين أنه خطوة مهمة وغير مسبوقة، ولا يُستبعد أن تكون بمباركة من بعض الدول العربية للدفع في اتجاه العودة لطاولة المفاوضات، فيما يطالب الفلسطينيون بإنهاء الاستيطان بشكل نهائي. الحكومة الإسرائيلية تعتقد أنها بقرارها المذكور ستحشر الفلسطينيين والعرب وفي الزاوية الضيقة، وتضع الكرة في ملعبهم كما يقال، وتسعى لتجنب الصدام مع إدارة باراك أوباما بشأن الاستيطان، وتنفيس الأجواء الفلسطينية بعد موقف محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الرافض للترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة وإعلان إحباطه من حصيلة مسلسل المفاوضات الهزيلة وعدم قيام الراعي الأميركي بالتزاماته. الحكومة الإسرائيلية استغلت وستستغل في مساعيها معطيات المرحلة التي تخدمها ولا يمكن أن تفوتها، ويمكن تلخيصها فيما يلي: - الانقسام العربي والفلسطيني. - الانشغال الأميركي الكبير بأفغانستان وباكستان وإيران والعراق أكثر من غيرها من الملفات. - قوة اللوبي الداعم لإسرائيل في الولاياتالمتحدة الذي ليّن مواقف أوباما بشأن الاستيطان ودفع في اتجاه مطالبة العرب بالعودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة. - التعاطف الغربي عموما مع مشروعها، وصعود اليمين المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين. وإذا كانت هذه مبررات الإسرائيليين للعودة إلى المفاوضات وفق استراتيجيتهم طبعا، فما هي المبررات التي يمكن أن يسوّغ بها الفلسطينيون والعرب قبول العرض الإسرائيلي؟ الواقع يشير إلى أن كل المعطيات لا تسعفهم في ذلك، بل تدعوهم إلى إعادة النظر في كثير من قراراتهم السابقة وعلى رأسها المبادرة العربية للسلام، وفيما يلي بعض من تلك المعطيات: - أن إسرائيل لا تقيم وزنا لرأيهم ولا يهمها، وقراراتها موجهة بالدرجة الأولى للمستوطنين وحلفائها بصريح ما عبر عنه وزير الخارجية ليبرمان. - أن إسرائيل لها شروط لا يمكن التنازل عنها وهي بمثابة خطوط حمراء من قبيل أنه لا سماح بدولة فلسطينية إلا إذا كانت منزوعة السلاح ومقابل الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، وهو ما يعني عملياً إلغاء عودة اللاجئين وطرد عرب 48 أو إعلانهم الولاء للدولة اليهودية، والأخطر من ذلك كله الاعتراف بالرواية الصهيونية بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد وما إلى ذلك من تفاصيل. - أن اليمين في تصاعد مستمر في إسرائيل، حيث أظهرت بعض استطلاعات الرأي أن %32 ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً ينتمون لتيار ديني سواء كان متشددا أو قوميا، وأن %42 من أفراد الجيش الإسرائيلي متدينون، فضلا عن حضور اليمين القوي في البرلمان والحكومة، ورفض غالبية اليمينيين المتدينين لدولة فلسطينية مستقلة، ولاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. - أن الحكومة الإسرائيلية لن تتنازل بشكل نهائي عن سياسة الاستيطان لأنها الرئة التي تتنفس بها، ولأنها تشكل أساساً للبرنامج السياسي للحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن الخلفية الدينية التوراتية لتلك السياسة التي لا تقبل أن تكون موضوعاً للمفاوضات. - أن الإسرائيليين لن يتنازلوا عن اعتبار القدس عاصمة لكيانهم وسيرفضون اقتسامها ليكون جزء منها عاصمة للدولة العبرية، والجزء الثاني عاصمة للدولة الفلسطينية. ما سبق يشير عمليا إلى أن أفق المفاوضات مسدود، وسيكون أشبه بطاحونة ماء، خاصة إذا كانت المفاوضات ستستأنف بدون شروط، ويدعو الفلسطينيون والدول العربية إلى وقفة حقيقية وعميقة لتقييم المرحلة السابقة وتدبير المرحلة المقبلة وفق خلاصات سيكون بعضها إن لم يكن كلها صادماً. وإلى أن تتم هذه الوقفة أعتقد أن ثمة قرارات ومواقف تلزم المرحلةُ الدولَ العربية بالتعجيل بها، أولها إعادة النظر في تفرد مصر برعاية المصالحة بين الأطراف الفلسطينية وتشكيل هيئة تعمل على ملف المصالحة الفلسطينية بحياد وموضوعية تحت إشراف اللجنة الوزارية العربية لمبادرة السلام لإنهاء الخلاف والعمل على وحدة الصف الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، وثانيها الإعلان عن السحب أو التجميد المؤقت لمبادرة السلام العربية مقابل قرارات إسرائيل بالتجميد المؤقت للاستيطان، فيكون تجميدا مقابل تجميد إلى أن تبدي إسرائيل رغبة حقيقية وفعلية في سلام حقيقي ومفاوضات معقولة تفضي لنتائج، ولا تربح الوقت لصالح الدولة العبرية وتضيّعه على الفلسطينيين والعرب، وثالثها اتخاذ مواقف صارمة بشأن التطبيع بكل أنواعه مع إسرائيل، ورابعها، عدم الارتهان للرعاية الأحادية الأميركية لملف السلام في الشرق الأوسط، والعمل على فتح الباب للاتحاد الأوروبي هو الآخر ليقوم بدور في هذا الملف. أعتقد أن القرارات أو الخطوات الأربع المذكورة ستدفع الحكومة الإسرائيلية لمراجعة مواقفها المتعجرفة والظالمة، وستضطر الإدارة الأميركية الجديدة للانتباه لتعهد الرئيس باراك أوباما الذي لا يزال العالم العربي والإسلامي ينتظره منذ قرابة ثمانية أشهر، وهو العمل على قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ورعاية ملف النزاع العربي الإسرائيلي بشكل يخدم السلام بين الغرب والعالم الإسلامي.