الخروج المُذِل للفريق الوطني لكرة القدم من تصفيات كأسي إفريقيا والعالم لم يكن مفاجئا، ولم يكن يأمل في حدوث معجزة إلا بعض الحالمين. فكما يقول المثل المغربي من الخيمة خرج مايل. إن الإخفاقات المتتالية لكرتنا إنما هي ناتجة عن تراكمات ظلت تتنامى دون أن تتم المبادرة على حلها. تراكمات لمشاكل ذات أبعاد متعددة، مشاكل سياسية وأخلاقية قبل أن تكون رياضية. أخلاقية، بما أن بذور المشاكل سابقة على الجامعة الحالية والجامعة السابقة لها. بدأت بسوء التسيير لدى المسئولين وسوء الأخلاق لدى بعض اللاعبين. مع تكريس مبدءِ اللاعقاب. ولقد رأينا كيف أن نجم نجوم مصر في سنة 2006 أحمد حسام ميدو عندما صدر منه رد فعل عفوي عندما قرر المدرب تغييره، قد عوقب بأن سدت في وجهه أبواب المنتخب بصفة نهائية رغم اعتذاره عن الخطإ واستعطافه. فكانت النتيجة أن نجوم مصر الآخرين عندما رأوا ما حصل للفتى المدلل للجماهير؛ انضبطوا كليا لأخلاق المنتخب. بينما يستطيع لاعب من لاعبينا أن يرفض الجلوس في كرسي الاحتياط ويرتكب أخطاء كبيرة، ومع ذلك يسعى المسؤولون عندنا إلى استعطافه عله يقبل بالرجوع إلى المنتخب وهو يقفل في وجههم هاتفه. فماذا يُنتظر من اللاعبين الآخرين؟ وسياسيا، بما أننا تعودنا من مسئولينا أنهم دائما يريدون الزبدة وثمن الزبدة كما يقول الفرنسيون. يريدون ديمقراطية وشفافية ونزاهة كاملة؛ ولكن شرط ألا يؤدي ذلك إلى فوز من لا يريدون لهم الفوز. ويريدون الاعتماد على الفلاحة كمحرك قوي للاقتصاد الوطني، يطورونها ويمكننونها، ويدخلونها إلى عالم التكنولوجيا والحداثة، ولكن بدون توعية الفلاح وتعليمه. وفي الكرة: يريدون بناء فريق وطني قوي، ولكن دون ترك المؤسسات الرياضية تنتخب هياكلها بشفافية، بل أن يمكن كل واحد من أصحاب النفوذ لرجاله في دوائر التسيير الرياضي حتى يتسنى له التأثير في القرار. ذات الجامعة في زمن علي الفاسي الفهري كان أول قرار لها خطأً مهنياً جسيماً يستحق الإقالة على الأقل. فعندما تم (تعيينهم) كان فريقنا وفريق الكامرون في نفس الوضع: الكامرونيون كانوا يريدون تدارك ما فات؛ فجلبوا بول وغوين. فما الذي أضافه لوغوين لفريق الكامرون؟ لا شيء على المستوى التقني ولا التكتيكي. إلا أنه فرض شيئا من الانضباط الذي كان غائبا، فتدارك الفريق اثني عشر نقطة من أربع مقابلات. والمغاربة كذلك كانوا يريدون تدارك ما فات، ولكنهم كانوا يريدون كذلك، وفي نفس الوقت بث رجل لهم على رأس الإدارة التقنية؛ و في الوقت الذي كان فيه تروسييه يعرض خدمته بالمجان، -لانشك أن ذلك كان حبا في بلد إقامته المغرب- فضل (المُعَيَّنُون) عندنا تعيين المدير الرياضي لفريق الفتح. كان تروسيي يعرف أن الفريق الوطني المغربي هو الأقوى في مجموعته، لكنه يحتاج فقط إل شيء من الانضباط، وكان في إمكانه فرض ذلك الانضباط، نظرا للكرازما التي يتوفر عليها ولتجربته الطويلة. وهو الشيء الذي لم يكن ممكنا لحسن مومن، الذي لا أشك في قدراته، فقد يكون عبقريا، وقد يكون حاملا لأعلى الشواهد. ولكنه يفتقر إلى التجربة التي تؤهله للوقوف أمام لاعبين تجربتهم الاحترافية أكبر. الذين عينوا مومن كانوا يعرفون كل هذا، فوضعوا بجانبه رجلا خبيرا بالكرة الإفريقية وله من الكاريزما ما يكفي، هو عبد الغني بالناصري، الذي وكما هي العادة عندنا كانوا يرجون منه أن يُنجح الفريق، بشرط ألا ينجح هو، حتى لا يتحول لهم إلى زاكي آخر يهتف الجمهور باسمه لو نجح. ولذلك أتوا ببدعة أربعة مدربين حتى يتفرق دمهم على القبائل في حال الفشل، وينال شرف النجاح رجلهم إذا تم النجاح. بعد الهزيمة بدؤوا في تسريب أخبار عن عزمهم تعيين مدرب جديد في غضون أسبوع، وهو خطأ أكبر جسامة؛ فالوقت ليس وقت تعيين مدرب حتى ولو كان أحسن مدرب في العالم، ولا حتى وقت التفكير في الفريق الوطني. لأن الفريق الوطني هو نتيجة لإصلاح المنظومة الكروية برمتها وليس مقدمة لذلك، مهما أخذ ذلك منا من الوقت حتى لو اضطررنا إلى عدم المشاركة في كأس إفريقيا 2012 ولا في كأس العالم .2014 لأن المشاركة دون بناء على أسس سليمة لن تكون نتيجتها إلا بهدلة أخرى كسابقاتها. ولقد تداولت الصحف في الأيام الأخيرة خبرين في الموضوع: الأول يقول إن جامعة الكرة تنتظر قرارات حاسمة من جهات عليا، والخبر الثاني يقول إن الجامعة تفكر في تعيين مدرب أجنبي وقد باشرت بالفعل مفاوضاتها مع عدد من المدربين من بينهم مدرب يساوم محترفونا المدللون على فرضه وإلا فهم يهددون بمقاطعة المنتخب. وهو مدرب معروف عنه أنه لم يغادر فريقا دربه إلا بعد مشاكل وأزمات يخلقها بنفسه، ولم ينجح مع أي فريق لا في فرنسا ولا في غيرها.