لم يحتج الأمر إلا إلى ثلاث صور نُشرت في الأسبوعية باري ماتش يوم 8 أكتوبر المنصرم حتى تتحولديامس، أو الكُرَيَّة كما تلقب هي نفسُها نفسَها بالنظر إلى شكلها الدائري الممتلئ إلى رهان مجتمعي. عجبا! لقد أصبحت أنوار الإعلام المسلطة على ميلاني جورجياد، وهذا هو اسمها الحقيقي، بعد أيام قليلة من خروج آلبومها الرائع إس.أو.إس مُبهرةً. والسبب: صور اختطفت لها عند خروجها من مسجد جينفيليير. وتُرى في هذه الصور تلك التي باعت مليون نسخة من آلبومها dans ma bulle (داخل فُقَّاعتي)، وقد غطت شعرها تحت حجاب، وطيفها مغطى إلى ما تحت الساقين. صور لم تكن تريدها حتى صحافة الفضائح التي تعتبر الانتماء الديني للنجوم من الطابوهات. ومن يومها، ومحطات الإذاعة التي تتخصص في بث أغاني الراب تعيش جوا من الغليان، حسب ما ذكره موقع سكايروك. كما أصاب الأنترنيت مس من الجنون. منتديات الدردشة في موقع إن.إر.جي لا كلام لها إلا عن هذا. وأصبح اسم ديامس يحتل الرقم الأول من بين المطلوب البحث عنه في محركات البحث على الأنترنيت. المدونات، ومنتديات الإهداء مملوءة عن أخرها. وهذه بعض المختارات: مقلق، ونحن في قلب النقاش حول ارتداء الحجاب الإسلامي... ، أنا أقول إنها بنت لا تتحمل نفسها أو لا تثق في نفسها على الإطلاق كانت من قبل تتخفى وراء ملابسها الفضفاضة وسلوكها الذكوري. واليوم في التاسعة والعشرين من عمرها تتزوج من مسلم وتتحجب! ، سبحان الله، لا يجب الحكم على فنان من خلال انتمائه الديني، ولكن من خلال النصوص التي يقدمها.... تغيُّر مقلق ولكن، ما الذي أصاب ديامس ؟ ما الذي أصاب الآنسة التي تبحث عن ولد فانٍ؟ (نسبة إلى إحدى أغانيها: Jeune demoiselle recherche un mec mortel) زهرة الإسفلت اختفت داخل الصمت: أنا أغني الراب، لأنني لم أعد أتكلم، هذا ما قالته في ألبومها الأخير. وإذن، فقد تضخمت الإشاعات: لقد تحجبت ديامس لتتزوج في رمضان المقبل مع عزيز الذي التقت به عن طريق صديقتها المغنية فيتا. ومنذ ذلك الحين لم تعد تحَيِّي الأولاد كما المعتاد بقبلة على الخد... ، لقد اعتنقت قيدومة الحركة المهتمة بأوضاع المرأة (لا عاهرات ولا خاضعات) الإسلام في الحقيقة منذ سنة ,2003 ولكنها لم تكن تمارس الشعائر بعد، ولكن زواجها الذي تم بعد رحلة في إفريقيا جنوب الصحراء قد عجل بانخراطها الكلي في التدين. أما الصور التي نُشرت في باري ماتش، فقد أخذت لها خلال شهر رمضان. وقد قطعت الشركة المنتجة لأغانيها مع هذه الإشاعات مرة واحدة: كل هذه الأمور تتعلق بالحياة الخاصة. لها الحق في أن تفعل ما تريد. قناعاتها الدينية وموسيقاها هما أمران منفصلان، ونحن هنا لندافع عن فنانة وعن أسطوانة. إننا نحترم خياراتها وعلى الخشبة سوف تكون هي نفسها كما هي بملابسها المعتادة وحذائها الرياضي. نفس الكلام ونفس الموسيقى في وسط محيطها والمقربين منها، تقول نيكول شلوس مديرة أعمال مغنية الراب المفضلة لدى الفرنسيين: الديانة هي من أمور الحياة الشخصية، وديامس أُلْبِست الحجاب من طرف مجلة تخصصت في الإثارة. وهو ما تسبب في ضرر كبير للأشخاص المعنيين. تبرير عجيب. ما الذي يزعج إذن؟ ليست القناعة الدينية الإسلامية، التي هي من الأمور الخاصة بالفعل، والتي بالإضافة إلى ذلك لم تفرض أبدا ارتداء الحجاب. إن الذي يقلق هو التغير والانزياح. الانزياح بين خطاب لاذع النقد لفتاة تتحدى الأذرع القوية للضواحي، صورة المناضلة من أجل تحرر النساء، وبين طيفها هذا المحجب إلى جانب زوجها. إلى الآن ظلت معشوقة المراهقات وأمهاتِهن تقدم نفسها برأس محلوق عن آخره بلباس الرياضة وحذاء الرياضة وهي تندد بصوت مرتفع بالعنف الذي تتعرض له النساء، وباللامساواة، وبالظلم. إلى درجة أنها أصبحت رمزا سياسيا لفرنسا خائرة القوى، ولكنها لا زالت واقفة. كما قالت سيغولين رويال لدومينيك دوفيليبان خلال حملة الانتخابات الرئاسية في سنة 2007 :أريد فرنسا تسمع لما تقول لها ديامس في فرنستي أنا إشارة إلى أغنيتها ma France à moi. الذي يزعج كذلك هو تلك الصور التي أخذت في مارس ,2009 والتي تروج عبر الإنترنيت وتظهر فيها ديامس خلال ندوة في معهد العالم العربي وهي تغني مع مغني الراب الفرنسي من أصول جزائرية ميدين أغنيته عن ظل الذكر، وقد وضعت حجابا أسود على رأسها. وهناك في ألبومها على الخصوص أغنية لي لي التي تثير فيها النظرة الموجهة إلى بنت صغيرة أرادت أن تتحجب لتذهب إلى المدرسة: لكثيرا ما قلت لهم بأنني عادية بأن خِلقتي مكتملة بأنني لا أتحمل كثيرا بأن أعامل كما لو كنت في حرب... إنني لا أستحق بأن أحرم من الدراسة والتربية إنها ليست عَلمانية هذه الأمة إنها فقط تخشى العدوى.(...) يعادونني فقط لأنني اعتنقت الإسلام ولأنني أرتدي الحجاب. وراء مطب التطبيع هذا يرتسم فجأة السُّمك الإديولوجي للنقاش: في الخصومة القديمة بين جمهوريين ودعاة الاعتراف بالاختلاف تغني ديامس في التزام مع الآخرين. وعلى هذا الأساس فإن الحجاب يمكن ارتداؤه في المدرسة ومسألة تحرر المرأة يمكن أن تجد حلها من خلال ارتداء الحجاب. تقول الشاعرة والمغنية سافو: بالنسبة للبعض يُعتبر الحجاب استفزازا، ورمزا للخضوع للرجل، ولكن بالنسبة لآخرين فإن الحجاب هو كذلك تأكيد على الحق في الاختلاف. إن ديامس شخصية خَيِّرة، وعلينا أن نتمنى لها ألا تنقطع عن المجتمع. إذا ما أصرت على ارتداء قبعة كاسكيط مثلا فهي كذلك غطاء للرأس يبدو طبيعيا بالنسبة لمغنية راب، أليس كذلك؟ ولكن أن تتغطى بالكامل فإن هذا سلوك قد يبدو كما لو كان تصرفا عنيفا... هل يمكن لها أن تجهل هذا؟ إن التدين يمنح أجوبة مطمئنة، ويمنح معنى حيث لا يوجد معنى، ولكن قد يصبح أفيونا كذلك، شيئا ما كما لو أنه ينوب عن المخدرات، مثل الميثادون.... وهكذا في سياق مختلف تماما فإن مغني السّلام (le slameur) عبد المالك يحكي في كتابه ليرضى الله على فرنسا عن هذه الهشاشة التي أدت به إلى الاستسلام أمام إسلام صارم قبل أن يتحول فيما بعد نحو التصوف. لنتكلم عن هشاشة ديامس...، فخلال حفل انتصارات الموسيقى لسنة ,2008 لم تستطع المغنية أن تحبس دموعها. وعلقت مجلة فواسي بالعنوان التالي: الإعياء الكبير لديامس لقد تحطمت وتريد التوقف عن كل شيء. وفي رد عاجل توجهت هذه المرأة الفظة إلى مقرات مجلة الإثارة تلك وكسرت الموزع الهاتفي، وبلكمة قوية وجهت إلى كل من أمامها اللكمات والركلات، مع هذا الحكم في نفس الوقت: إنكم تريدون تحطيم حياتي المهنية!. ولكنها لم تكن لا الأولى ولا الأخيرة في القيام بمثل هذا التصرف. فقبلها قام غيوم دوبارديو في زمانه بنزول أكثر قوة إلى مقرات نفس المجلة بل وحتى الممثلة ساندرين بونير كانت قد صبت جام غضبها على المجلة وأفرغت أمام مقراتها برميلا من الأزبال. تدين وخلاص لقد عثرت هذه الفرنسية القبرصية المتخمة بقصة شخصية مؤلمة خلاصَها في الموسيقى، ولكنها لم تجد فيها مرجعيتها ولا معالمها. نجاح سريع ولامع، مع ما يصحب ذلك من غيرة، وانتقادات، (وسطُ الراب يتسم بغير قليل من الذكورية)، ومن خيبات. هناك الكثير من المال، والكثير من الشهرة، والكثير من الوحدة. والنتيجة أن ديامس وجدت نفسها تتوجه مباشرة نحو الجحيم: عولجت خلال أربعة أشهر بمستشفى للعلاج النفسي من قبل أطباء أحرقوا جهازها العصبي كما تقول. فانتهى بها الأمر إلى أن أرخت قلاعها متوجهة إلى: السينغال، والكوت ديفوار، هناك حيث يوجد الخلاص، والإلهام. عند عودتها أسست بيغ آب وهي جمعية موجهة إلى مساعدة الأطفال الأفارقة، وتهيأت لأن تصب مداخيل حقوق التأليف عن ألبومها الجديد إس.أو.إس. لمصلحة أعمال إنسانية أخرى كذلك. في محيطها يثيرون على كل حال تركيزا نفسيا جديرا بمسألة حياة أو موت إن التدين هو ملجؤها، لقد كانت السنتان الأخيرتان قاسيتين بالنسبة لها. ويرى لويك سيران رئيس تحرير مجلة فواسي بأن كل هذا هو نقاش في غير محله، ووهمي يقول:إنني لا أرى أين يوجد التناقض فتحول داني بون إلى اعتناق اليهودية لم يتسبب في كل هذا الهذيان. إن تحجب ديامس لا يصدمني، لأن ذلك لا يتداخل مع تعبيرها الفني. ثم إنها حسب علمي لا تقوم بالدعوة، إنها لا تُخل بالنظام العام، ولم تقرر أن تضع قنابل في أي مكان حتى يتولد عن كل هذا أي نقاش...، هذا التفسير أقام سهام حبشي رئيسة جمعية (لا خاضعات ولا عاهرات) ولم يقعدها إلى درجة أنها تقول ثائرة: إن هذا متناقض مع كل ما ظلت تدافع عنه حتى الآن. أنا من جهتي واجبي كمسلمة هو الاستمرار في نضالي ضد الظلامية. إن ديامس لها صفة العمومية، وعندما تتحجب فإنها تجسد هذا التخلف لدى نساء الأحياء الشعبية إنها تدوس بقدميها على المعارك التي تم ربحها خطوة خطوة، وعلى الخصوص منذ 2004 ومعركتنا ضد الحجاب في المدرسة. لتتكلم! إنني أطالبها بأن توقف الإشاعات وأن تعبر عن موقفها مباشرة. ولكن ديامس لا تخرج من فُقَّاعتها. إنها لحد الآن لم تبح إلا بذلك ال إس.أو.إس. المؤثر والمدهش. إنها تغني الراب دائما، وملء قلبها الغضب، وهي لا تلقي سلاحها ضد مظاهر الظلم في مجتمع جميع سبل الرقي فيه معطلة. خطابها راسخ رسوخا قويا. ولكن عنف ديامس هو أكثر أصالة، إنه ذلك الذي يحرقها من الداخل: إن نجاح الكُوَيْرَة قد ترك الفنانة بدون صوت، وبدون فضاء. إس.أو.إس. هي تلك الأنشودة المثيرة عن سقوط في الهاوية قبل رؤية الضوء. إنها تتجلى لتأخذ السامع من كوامنه ولتجعل القلب على غير موضعه. وقاحة مغنية الراب يتلوها غياب الاحتشام في الاعترافات. في كل بيت من أبيات الأغنية تنفث السم الذي سمم حياتها. إيقاعاتها تدعوا إلى اقتسام استعجالية إلهام مستعاد. والله في كل هذا؟ يبدو أنه يوجد في القوقعة الخاصة. إن إس.أو.إس. هو ألبوم اعتناق جديد أكثر منه ألبوم توبة وخلاص. وهي تؤكد بالقول: أنا واحدة ما (i am somebody)، وتقول بأنها على كامل الاستعداد لأنتدافع عن نفسها فوق الخشبة. ومع الآخرين؟ مريام بيريتي بالاشتراك مع أوليفيي ميزون