مراسل «باري ماتش»،" ميشيل بيرارد " الذي سبق أن كان محتجزا لدى «طالبان» خلال 26 يوما (من 9 أكتوبر إلى 3 نونبر 2001) عاد مؤخرا إلى جلال آباد حيث كان محتجزا. ومن هناك أتي باكتشافه الذي يعلن عنه في كتاب بعنوان «المركز رقم 3 ضيف على طالبان»، الذي سيصدر يوم 19 مارس الحالي عن دار Pauvert للنشر بباريس. ونقتطف منه هذه الفقرات التي تروي عن هروب بن لادن ثم عودته إلى إلى جلال آباد من جديد ،كما نشرتها باري ماتش في عددها الأخير. حاسة سادسة حتى عندما لا ينجحون في المرور فإن المراسلين الكبار، كما لو كانوا موجهين بحاسة سادسة، يعرفون على ما يبدو إلى أين يذهبون. ولقد عاش ميشيل بيرارد في جلال آباد ستة وعشرين يوما محتجزا لدى طالبان على بعد حوالي مائتي متر من البيت الذي كان يختفي فيه أسامة بن لادن. ولقد كان رئيس الاستخبارات في عهد طالبان «تجمير جواد» يذهب لرؤية زعيم القاعدة بانتظام. فقد كان يغادر المركز رقم 3 حيث كان ميشيل بيرارد ومعه صحفيان باكستانيان محتجزين، هذه المعلومات وكذلك المعلومات عن مغادرة لمنطقة تورا بورا، حصل عليها مراسل باري ماتش بعد عودته مؤخرا إلى جلال آباد حيث التقى مجددا برئيس المركز رقم 3 قاري زايفر، وبذلك يرد ميشيل بيرارد، بهذه الرواية التي يؤخذ من خلاله المجلة باري ماتش شهادات أولئك الذين كانوا آخر من شاهد بن لادن، على الذين تساءلوا عندما قرر العودة إلى جلال آباد «هل كان ضروريا أن يعود إلى هناك». مواعيد ليلية عند حلول الليل كان «قاري زاييفر» المدير الشاب للمركز رقم 3 يدعو بعضا من سجنائه إلى الجلوس معه، تحت السقيفة لشرب الشاي، كان يفعل ذلك بسبب دماثة أخلاقه وكذلك بسبب الحذر. فأما الأولى فهي بسبب طبعه الملازم له، وأما الحذر فهو من تعليمات «الباشتونوالي»، وهو ميثاق الشرف لدى قبائل الباشتون. ولنباهته رغم حداثة سنة (26 عاما) فإن «زاييفر» كان يفضل الاحتياط من الضغائن المحتملة بإدخال بعض التصرفات الإنسانية في عالم من المفترض أنه محروم من كل إنسانية. كان هذا الشاب قد التحق بحركة طالبان في البداية كسائق لوالي منطقة نانجهار «مولانا عبد الكبير» الذي هو في نفس الوقت نائب للوزير الأول ويعتبر الرجل الثالث في النظام بعد الملا عمر والملا حسن. وهو منذ ثلاث سنوات واحد من الأطر الكبرى لمصلحة الاستخبارات. مما مكنه في شهر أكتوبر من تحمل مسؤوليات جد حساسة. كما هي عادة الأوامر العسكرية التي تكون جد مقتضبة تكفي «قاري زايير» أمرا عن طريق «الطولكي ولكوي» يقول: «جواد، جواد، للمركز رقم 3، التحق حالا بالفيلا» ولم يحتج «قاري» لأكثر من دقيقتين ليلتحق «بجواد تاج مير» رئيسه المباشر: منذ بداية الضربات استقر الرئيس الشاب لاستخبارات طالبان في سكنى أنيقة توجد على بعد 300 متر من المركز. كان الترتيب دائما هو نفسه: بمجرد ما كان يستقر في السيارة (ال 4*4) ،كان «تاج مير» يعين له المكان الموجود دائما في محيط المدينة، ودائما مع حلول الليل وليس نفس المكان أبدا. وعندما يصل إلى مكان الموعد مسترشدا بالتعليمات المعطاة له، يوقف زايفير الجيب على بعد 50 مترا من سيارة الوالي عبد الكبير. تم يعبر تجمير المسافة الباقية راجلا. وخلال هذه الاجتماعات السرية ولمدة طويلة وأحيانا أزيد من نصف ساعة، كان قاري زايفير يلاحظ خلسة الأشخاص الثلاثة المجتمعين في غبش الظلام: تجمير، عبد الكبير وهذا الرجل الثالث الذي أقسمت الولاياتالمتحدةالأمريكية على أن تعرضه على العالم أجمع «حيا أو ميتا» أسامة بن لادن. وفي خلال كل واحد من هذه المواعيد السرية، كان «زاييفر» يتساءل كيف يمكن أن تجهل مصالح الاستخبارات الغربية وجود بن لادن في هذه المدينة التي كانت دائما معقله. وإذا كان الأمريكيون يعرفون مخبأ الشيخ، لماذا يصرون على تدمير أهداف رمزية بقنابلهم، ولا يضربون عدوهم رقم واحد ضربة قاضية؟ يؤكد «زاييفر» بأنه ظل لمدة شهر يعيش مقتنعا بأن أحدا من القادة سوف يتصل به ليقول له: «لقد حان الوقت، وهذه خطة عملنا ولكن لا شيء من ذلك حدث: «لقد كنا يقول "زاييفر" «مع ذلك عدة مصممين على التخلص من العرب بمساعدة الأجانب». في مكان خفي لقد حافظ أسامة بن لادن دائما على علاقات متميزة مع «جلال آباد» فبعد مغادرته الاضطرارية للسودان في العام 1996، كان هذا المكان على بعد عشر دقائق إلى الجنوب من المدينة هو حيث استقر مع واحدة من زوجاته: هذا المكان المسمى «فارمادا» الذي سماه الأفعان «الأسر» لأن حوالي 30 من أسر مقاتلي القاعدة العرب كانت تقيم هناك». وإذا كان بن لادن قد غادر «فارمادا» قبيل سابع أكتوبر، فإنه لم يغادر المنطقة قط .و»خلال الضربات كان بن لادن يتنقل كثيرا.. ولكنه ظل دائما على مقربة من المنطقة» حسب ما يرويه «حاجب ببير باقش» الرئيس الجديد لمصالح الاستعلامات في إقليم «نانجارهار». ولقد كان يشعر بالأمان وهو محاط بحراسه المسلحين جيدا ،والبالغ عددهم حوالي ثلاثين رجلا. إن هذا السعودي يعرف جيدا بأنه يمكنه الاعتماد على دعم جماعة «باكتيا» الإقليم المجاور الذي يمكن من السيطرة على أكبر مدن شرق أفغانستان جلال أباد. وقبل ذلك على دعم مولانا عبد الكبير، والي الإقليم المقرب جدا من الملا عمر: عبد الكبير كان دائما إلى جانب جماعة العرب. ويبدو أن بن لادن معجب بالأساليب العنيفة لصديقه الوالي المسؤول عن العديد من المجازر خصوصا تلك التي ذهب ضحيتها مئات الشيعة من قبائل الهزارا في منطقة باميان في ماي 1999. يحكي «زايفر» الذي سبق له أن التقى بن لادن مرتين في إطار عمله كسائق لعبد الكبير: «كان يبدو عليهما أنهما يتعاطفان جدا ويقدر كل منها الآخر، ولقد كانت محادثاتهما تدوم طويلا. وخلال الضربات كان الوالي قد أسكن بن لادن بالقرب من داره في بيت خفي قريب من المستشفى». ولصد أي تمرد محتمل كان عبد الكبير يستند على أحد الشباب (24 سنة) ينحدر كذلك من خوست في إقليم «باكتيا» وهو المعروف بولائه المرفوق بالكثير من المنهجية التي لا تخلو من قسوة مما يجعله محل إعجاب منه: إنه «تاج مير جواد» الذي يقود في الواقع كل مصالح الاستخبارات الطالبانية على مستوى كل مناطق جنوبأفغانستان. يوم الوداع وتنسب اليوم إلى هذا الفتى العبقري الآلاف من الاعتقالات التعسفية والكثير من الاغتيالات وكذلك تصفية القائد عبد الحق الذي أعدم بوحشية يوم 26 أكتوبر الماضي. ولقد كان «تاج جواد» يستضيف كل مساءعلى الساعة 23 أسامة بن لادن في بيته، حسب ما يتذكر «قاري زايفير». لقد كان «تاج جواد» عضوا بارزا في منظمة القاعدة. هذا ما يؤكده «حاجي بيرباقش» الذي أخذ مكان «تاجمير» على رأس استخبارات المنطقة ووضع اسم سلفه في هذا المنصب على رأس لائحة الأشخاص الذين يبحث عنهم النظام الجديد. وكان يعيش في مقر الاستخبارات أكثر من خمسين مجندا يعملون في معكسر «دارونتا» التابع لمنظمة القاعدة والموجود في مخرج المدينة على طريق «كابول» ،حيث كان «تاج مير جواد» وأهم قادة القاعدة يستقبلون الكثير من العرب طبعا،ولكن كذلك الفلبينيين والشيشانيين وحتى بعض الفرنسيين المسلمين، كما يؤكد ذلك جوازات السفر التي عثر عليها «حاجي زمان غامشاريق» الرئيس الجديد لمصالح المخابرات في الولاية. وهنا في هذا المعسكر جمع بن لادن أصحابه ليودعهم قبيل انسحاب طالبان من جلال آباد يوم 13 نونبر 2001 ليودعهم، وليهيء انسحاب قواته في أحسن الظروف. ولقد دعا بالمناسبة المئات من قادة القبائل المتحكمين في المنطقة الحدودية «لطورا بورا». وحسب بعض الشهود فإن الشيخ بدا في ذلك اليوم بعد الظهر متعبا ،ولكن مع ذلك متهلل الوجه ومشعا. كان يلبس لباسا ميدانيا (Trellis) ومحاطا بحوالي عشرين حارسا يقظين ومنتبهين، واستهل كلمته بتحميس الحضور مذكرا بفضائل الجهاد وختم كلمته بقوله: «سوف يتيح الله لنا بفضله فرصة التلاقي من جديد، وستكون هذه المرة بإذن الله على ساحة الجهاد». ثم تم توزيع أغلفة بيضاء على زعماء القبائل تحوي روبيات باكستانية بقدر أهمية مساهمات القبائل: ويقول البعض بأن أذونات المرور هذه التي أدى الملياردير السعودي ثمنها عن أصحابه مسبقا قد بلغت أزيد من 10000 أورو عن كل واحد. لم تكن معركة طورا بورا الحاسمة قد انطلقت بعد عندما كان العدو اللدود للغرب قد ربح مسافات طويلة على مطارديه. وفي يوم 13 نونبر حوالي الساعة الثامنة أمر «تاحير جواد» قاري زايفير» عبر التولكي ولكي أن يلحق به في الفيلا. ذهب مدير المركز رقم 3 إلى ملاقاة رئيسه المباشر وهو قلق. فقد سقطت كابول منذ ثلاثة أيام ،والنرفزة تستولي علي رؤسائه في الاستخبارات، إنه قلق بالخصوص على حياته. فقد ساءت علاقاته مع رئيسه الشاب في الأيام القليلة علي أن تمكن أحد السجناء من الهرب. إذ أمر «جواد تاجير» غاضبا أن ينقل الأسرى إلى معتقل آخر أكثر ضمانا. وكعقاب على إهماله حكم على «زايفير» بالبقاء في مركزه المهجور. وهناك من كان يهمس من بين أعضاء المخابرات عن قرب اعتقاله. ولكن «زايفر» أحس ببعض الاطمئنان عندما سمع «تاجمير» يسأله عن ماذا ينوي أن يفعل؟ مواصلة القتال أو العودة إلى بيته في قريته الواقعة على خاصرة جبل «سينغار»؟ يقول «قازي زايفير» فهمت بأنه إنما كان يريد أن يمتحنني فأجبت على حذر بأنني سوف أظل بجانبه مهما كان خياره». وفي الساعة العاشرة اتصل رئيس الاستخبارات من جديد «بقاري زاييفر» وأمره بالذهاب إلى «سينغهار» يقول «زايفير» «لقد كان يعني قريتي، ولكنني ظننت أنه يعني الفندق الذي يحمل نفس الإسم والموجود في وسط جلال اباد. ذهبت إلى فندق «سينغهار» وانتظرت، رأيته بعد نصف ساعة وهو يمر على رأس عشر سيارات، نادى علي وسألني لماذا لم أطع أمره وأذهب إلى قريتي. ولما أجبته بأنني ظننته يعني الفندق، أمرني بأن أتبعه». وفي مخرج المدينة قرب قنطرة «بايسود» حيث كان «تاجمير» وجلا وزته يفضلون تنفيذ التصفيات العلنية، انضم الموكب إلى قافلة أخرى تضم 150 سيارة ،خمسون منها كان يستقلها عرب. يضيف محدثي قائلا: «لقد كانت هناك كل أسرهم بما في ذلك النساء والأطفال ،أطفال صغار كانوا يحملون رشاشات الكلاشينكوف على أكتافهم». لقد كان في المجموع حوالي ألفي شخص أرغموا على الانتظار حتى انتظم الجمع بعد نصف ساعة. وعلى رأس الجمع كان «تاجمير» والوالي عبد الكبير يديرون عمليات الانتظام. وبعد الساعة الحادية عشرة بقليل تكلم عبد الكبير عبر اللاسلكي مع شخص آخر عرفت من نبرة صوته أن المتحدث شخص من مرتبة أعلى، أسامة بن لادن أو شخص آخر، فإلى حد الساعة كان في نيتهم الذهاب عبر الطريق «غوشتا» لمغادرة أفغانستان تحت حماية قبيلة «محمانة» ولكن بعد تلك المكالمة غيروا وجهتهم». لايتمنون سوى القتال حوالي الحادية عشرة والنصف عادت القافلة أدراجها في اتجاه «طورا بورا» لقد صدر الأمر من دون شك من طرف أسامة بن لادن، الذي كان في مساء اليوم السابق قد باشر بنفسه تنظيم إنسحاب القافلة الأولى لرجاله، ويتذكر بعيد الساعة 21 و30 د في «فارمادا» على بعد 5 كلمترات من جلال اباد. تحت ظل شجرة على مقربة المسجد حيث كان الرجل المطلوب أكثر من غيره في العالم يودع صديقه الوالي عبد الكبير بكل اطمئنان «لقد ظل الرجلان يتحدثان مطمئنين لأزيد من نصف ساعة، في الوقت الذي كانت فيه القافلة المكونة من عدة مئات من سيارات (4*4 )تأخذ طريقها نحن طورا بورا». لقد كان الطالبان وضيوفهم العرب جد متأكدين من النجاة لدرجة أن الوالي عبد الكبير أخذ الوقت الكافي في نفس اليوم لسحب كل الأموال المودعة في الوكالة المحلية لبنك أفغانستان. ربما لكون الانسحاب الأول مر دون مشاكل فإن بن لادن ارتأى بأنه ليس من الضروري تحميل القافلة الثانية كل تلك الرحلة المرهقة والطويلة وفي الطريق إلى «طورا بورا» كان «قاري زايفير» كما هو حال أغلب الطالبان قلقا وجد متوتر الأعصاب، يقول عن ذلك: «كنت متخوفا من أن يثير على التجمع الضخم من السيارات انتباه الطائرات الأمريكية، وأدركت كذلك بأننا ليست لنا نفس الأولويات فأغلب الطالبان كانوا يريدون مغادرة أفغانستان في أقرب وقت للالتحاق بعائلاتهم في المناطق الباشتونية لباكستان. بينما كان العرب لا يتمنون إلا أمرا واحدا: القتال». قاري وابن عمه الذي هو مساعد للوالي قررا الاستفادة من توقف القافلة للصلاة لمغادرة القافلة. فانسحبا بالفعل وعادوا إلى جلال أباد. ولكن عندما دخلا المدينة وجدا المعتقلين السابقين الذين حررهم الأهالي بعد مغادرة «طالبان» هم الذين يقيمون الحواجز الأمنية. وكرد على الرأفة التي كان دائما يعاملهم بها فقد تركوه يذهب إلى حال سبيله، إلى قريته. إفلاس المخابرات الغربية وعندما بدأت بعد ذلك بثلاثة أيام معركة طورا بورا التي كان من شأنها أن تضع نهاية لمنظمة القاعدة وزعيمها، كان الأمر قد فات على التحالف، فحسب العرب القلائل الذين نجوا من القصف، فإن بن لادن والأطر العليا للمنظمة لم يمكثوا في مغارات «طورا بورا» إلا أياما قلائل، فقد غادروا إلى باكستان بتواطئ مع زعماء القبائل الذين كانوا قد اشتروهم من قبل. لقد كان «حاج ميرجواد» يرد دائما بخيلاء عندما كان حاكما بأمر في جلال آباد: «هذه الحرب سوف تعلن عن الإفلاس النهائي لمصالح المخابرات الغربية!! ولقد كان الصواب بجانبه لحد الآن. فالولاياتالمتحدةالأمريكية التي انقطعت عنها المعلومات والتي هي أصلا ترفض إنزال رجالها إلى الأرض لخوض المعارك مفضلة الاعتماد على القادة الميدانيين المحليين، والتي هي أكثر حرصا على التمكين لسلطتها في المنطقة من حرصها على مطاردة أعدائها زعماء القاعدة ،فقد تركت بتصرفاتها هذه أولائك الذين كانوا الهدف الأساسي المعلن لعملية «الحرية المطلقة» يهربون. وعملية «أناكوندا» الجارية الآن في جبال باكتيا خير دليل على الفشل، فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن بن لادن لم يتمكن من العودة إلى التراب الأفغاني. وبالنسبة للرئيس السابق للمركز رقم 3 «قاري زاييفر» فإن تمكن أسامة بن لادن من الهرب سوف يبقى لغزا محيرا إلى الأبد «فالأمريكيون لم يكن ممكنا أن لا يكونوا على علم منذ بدإ العمليات في 7 أكتوبر بوجوده في جلال آباد» ويؤكد «قاري زايفر» قائلا: "حتى وهو يلف نفسه بالكثير من الحذر كان أسامة بن لادن يترك آثارا وراءه تدل عليه. إنه يخامرني في الكثير من الأحيان الإحساس بأنهم لم يكونوا يرغبون ويتمنون الإمساك به، أو على الأقل لم يكونوا يريدونه حيا". "ميشيل بيرارد» عودة إلى هرب بن لادن من كتابه «المركز رقم 3 ضيف على طالبان» ترجمة: إبراهيم الخشباني