غادرنا إلى دار البقاء الأخ الحبيب والصديق العزيز والأستاذ الكبير، والداعية الموفق والعالم الرباني والشاعر الفريد، فريد الأنصاري، اسم على مسمى، إنه كان والله فريدا في شخصيته ورقته وتواضعه، وإبداعه شعرا ونثرا، وإنه كان والله أنصاريا ينصر الحق وينصر الدين، وينصر الصدق، كما ينصر على نفسه قبل أن ينصر على غيره، أشهد له ورغم قلة الساعات التي قضيتها معه، معاملة خاصة لمن يحب من الناس، وهو لا يحب من الناس إلا كل طيب وخير وصادق ومتواضع، أذكر كيف يخدم الناس وهو الفاني الضعيف البنية الكثير الأمراض، أذكر كيف ينصت إلى من هو أقل منه علما ورأسه منخفضة كأنه تلميذ صغير أمام أستاذ كبير أو طفل أمام أب، أذكر للأستاذ فريد الأنصاري لحظات من الرقة الإيمانية ولحظات من الإشراق الرباني، ولحظات من الإبداع الشعري.إن خسارة المغرب وخسارة الصحوة الإسلامية في رجل مثل فريد الأنصاري، لا يمكن أن توصف، وإننا نسأل الله عز وجل أن يعوضه وهو عنده الآن بإذنه تعالى في أعلى عليين، عن كل ما عاناه وكل ما قاساه وكل ما كابد، وأن يكون خير خليف له في أهله وأولاده الصغار.إنني لأرجو من المغرب وفاء حقيقا للعلماء من أمثال فريد الأنصاري، برعاية أبنائهم وأسرهم، وتخليد ذكراهم عن طريق تسمية أماكن تليق بهم وبأسمائهم؟، وإعادة نشر تراثهم بالكامل، مهما اختلفنا مع هذا التراث أحيانا، وخصوصا تراثه الأدبي الذي لا يعلمه إلا المقربون من شعر ونثر، وكثير من هذا التراث ما يزال مخطوطا لأن الرجل كان مثل النهر المتدفق، غزيرا متدفقا ساميا. إن تعلق جماعة النور به في تركيا، وارتباطهم به، وعنايتهم به، وضمه إليهم بين ضلوعهم، لدليل على أن الرجل قد جاوز حدود المغرب، وجاوز حدود الإقليم وجاوز حدود العالم العربي إلى عالم المسلمين، وعناية النوريين من آل تركيا به، حتى إنه توفي بين أيديهم وفي رعايتهم، لدليل أن على أن للمغرب رجالا عابرين للقارات والثقافات، قادرين على أن يمثلوه في أعلى المستويات، لولا أنهم لا يجدون في بلدهم إلا القليل من العناية والرعاية، وأقل من ذلك من وفاء. رحمك الله يا فريدا يا أنصاريا، وجزاك خيرا عن الإسلام، وأجزى لك، ومنحنا وأهلك الصبر والسلوان على فقد أمثالك.