سيغادر على دفعات 35 ألف مغربي أرض الوطن في اتجاه الديار المقدسة لاداء مناسك الحج هذه السنة الذي يفصلنا عنه أقل من شهر تقريبا، 7 آلاف و668 من المرشحين للحج مسجلون ضمن وكالات الأسفار، اما الباقي وهم أزيد من 26 ألف سيسافرون ضمن التنظيم الرسمي الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وفي الحالتين معا فإن للمغاربة عادات خاصة لما قبل الحج ، فالامر لا يتوقف عند تعلم المناسك في المساجد ومقرات المجالس العلمية، او تتبع كل البرامج التي تبث على القنوات الوطنية أو الاذاعات والتي تتناول الحج، بل إن الأمر يتعداه إلى عادات تناقلتها الأجيال وصارت إرثا معمولا به. التسامح أهم الطقوس التسامح أحد الطقوس المرتبطة بأداء فريضة الحج لدى المغاربة، فكل مرشح للحج بمجرد اقتراب موعد سفره يحرص على التواصل مع جيرانه وعائلته وأقاربه ومعارفه لتوديعهم طالبا منه المسامحة عن كل ما بدر عنه في حقهم، ويحرص كذلك الحجاج على تصحيح علاقاتهم بأشخاص كانت قد انقطعت معهم. كما أن ما يسمى بالصدقة صار من الأمور المرتبطة بالحج، إذ يحرص المقبلون على الحج على دعوة الناس في بيته، حيث ينظم حفلا يحضر له ما يسمى بالطلبة أو يستضيف فرقة الأمداح أو يكتفي بدعوة الناس وإطعامهم، لكن من جهة أخرى يحرص الناس الذين لم يتمكنوا من أداء هذه الفريضة على مطالبة المقبلين عليها بالدعاء معهم هناك عند قبر النبي وأمام الكعبة على اعتبار أن الدعاء مقبول في هذه الأماكن التي تحمل معاني خاصة لدى المغاربة. ويحرص البعض على تحديد ما يريدونه بالتحديد، فمن كان يريد الإنجاب يطلب من المقبل على الحج ان يدعو معه في الاماكن المقدسة بهذه الدعوة على الخصوص ومن أراد النجاح في دراسته يطلب نفس الأمر وهكذا.. لكل واحد من المعارف والجيران دعوة خاصة وأمنية يرجو ان تتحقق. الحاج البشير تمكن من أداء فريضة الحج منذ ثلاث سنوات وقبل ذلك يقول إنه أعد وليمة دعا إليها جيرانه وأصدقاءه وإخوته وأبناءه وكل معارفه البعيدين والقريبين، يقول إن حجه كان سببا في تحسن علاقته بأخيه بعد أن دامت القطيعة بينهما لسنوات، فقد كان الحاج البشير يدرك أن حجه لن يكون مقبولا وسيكون بدون جدوى إذا أداه وعلاقته بأخيه متشنجة. السيدة فتيحة تستعد للحج هذه السنة رفقة زوجها وقبل ذلك تقول إنها منذ ان تم قبولها في القرعة وهي تصر على كل من التقته في طريقها سواء كان قريبا او بعيدا ان لا يكون يحمل في قلبه ضغينه تجاهها، وان يكون قلبه صافيا نحوها، كما انها حرصت هي وزوجها على أداء كامل ديونهما حتى يكون لحجها معنى وقبولا. ممارسات مبتدعة الى جانب هذه العادات التوديعية تقوم أسر بعض الحجاج بممارسات مبتدعة عن جهل ، من هذه الممارسات ما تحكيه السيدة فاطمة من واقع تجربة عاشتها عندما جاءتها إحدى الجارات -وكانت تستعد لأداء مناسك الحج- جاءتها تشتكي عقوق ابنيها المتواجدين بأرض المهجر والذين لا يزورانها إلا لماما ويعيشان هناك حياة عربدة وصخب، الجارة قالت للسيدة فاطمة إن بعض صاحباتها نصحنها بأن تأخذ بعض ملابس ابنيها وترميها على قبر الرسول الكريم عندما تصل الى المدينةالمنورة على أساس أن مثل هذا الفعل من شأنه أن يغير سلوك ولديها ويرجعهما الى جادة الصواب. تقول السيدة فاطمة إنها استغربت لهذه الأفكار التي زرعها البعض في ذهن المرأة ومخيلتها، وتعجبت كيف للمرء وهو في ضيافة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يغفل عن الدعاء والتضرع إليه تعالى أن يحقق له ما شاء ويذهب عوض ذلك إلى ارتكاب جهالات لا تؤتي أكلها وتبطل عبادة هي من أشق العبادات وأكثرها ثوابا وأجرا. تغيير الطباع بهذه الطريقة ليست الممارسة الوحيدة التي يتخذ البعض من الحج مناسبة للقيام بها وإنما هناك أشياء أخرى مثل العلاج من العقم، وهذا ما تقوم به بعض النساء حيث يقصدن كل من ينوي الحج ويعطينه حزامهن الخاص على أن يرمي به في الأماكن المقدسة ويتحقق الموعود كما يعتقدن. رغم الاقبال الكبير الذي يسجل على أداء مناسك الحج من قبل المغاربة شبابا وشيبا رجالا ونساء ومن مختلف الطبقات الاجتماعية، ورغم كل الدروس التي تنظمها الجهات المعنية والتي أصبحت تركز خلال السنوات الاخيرة على دعم الجانب السلوكي والأخلاقي لدى الحجاج حتى يكون حجهم مقبولا مبرورا، وليؤدي الحج رسالته التعبدية ينبغي استحضار امرين مهمين أولهما إخلاص النية لله بقصد إكمال الدين ورجاء مغفرة الذنوب كبيرها وصغيرها، وثانيهما تجنب مبطلات الأعمال التعبدية، من البدع والمنكرات، التي ألفها الناس عند توديع الحجاج وحتى عن استقبالهم من مظاهر الترف والتفاخر. فالهدف من أداء ركن الحج أن يكون توبة شاملة يعود منه الحاج بمنافع في دينه قبل أن يعود منه بالهدايا والأمتعة. وبذلك تشهد المنافع التي ذكرها الله في كتابه يوم نادى إبراهيم بالحج (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ياتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الانْعَام)(الحج 26 .25)