رفع نشطاء التيار القومي الإسلامي وثيرة عملهم لعقد المؤتمرات الدولية حول قضايا الأمة، فمن قضية القدس وحق العودة إلى الجولان، نظمت ثلاث مواعيد لمؤتمرات ضخمة ضمن آلاف من النشطاء ومنتسبي أبرز الهيئات والحركات والأحزاب من التيارات الرئيسية للعالم العربي مسنودة بنشطاء حقوقيين وإعلاميين وسياسيين من مختلف جهات العالم الأربعة. المؤتمر الأخير الذي احتضنته سوريا على مشارف الجولان المحتل يومي 11 و 12 أكتوبر 2009 تحت شعار: الجولان عائد بدعوة من المركز الدولي للتواصل والحوار وحضر مهرجانه الافتتاحي أزيد من 5000 مشارك أزيد من 2000 منهم ممثلين عن المنظمات المدنية والأحزاب السياسية، شكل خطوة أخرى على طريق ترسيم التضامن العربي والإسلامي والعمل المشترك على المستوى القاعدي والشعبي بعد أن تحطمت آمال تفعيله بين الزعماء وبعد أن أقبرت الفرص الأخيرة بذلك في ضوء الحربين الأخيرتين التي شنهما الكيان الغاصب على كل من لبنان وغزة. هذا المؤتمر وما أفضى إليه من نتائج شكل وبحق بارقة أمل في إمكانية تصدي الشعوب بقيادة هيئاتها وأحزابها الوطنية والإسلامية لمختلف التحديات المفروضة عليها في زمن الصلف الصهيوني. لقد ساهمت المبادرة المدنية في تنظيم وفي توفير مناخات مثل هذه المؤتمرات للحوار والنقاش متفلتة من الإكراهات الرسمية ورفعت سقف المواقف إلى درجة مكنت من انخراط أكبر للنشطاء من مختلف تيارات الأمة المصرة على مقاومة الغطرسة الاستكبارية والمخططات الإمبريالية. ولم تمنع الرعاية الرسمية للرئيس السوري من احتفاظ الملتقى بطابعه الشعبي والمدني حيث انعكس ذلك على مستوى البرنامج ونوعية المشاركين، وكذا في الخطاب والمواقف التي جرى تصريفها في مختلف أوراش الملتقى. ورغم صعوبة حصر مزايا الملتقى فإنه ثمة نقاط أساسية يصعب القفز عليها كنقاط مضيئة ومشعة لعل من أبرزها: -المهرجان الافتتاحي الذي احتضنته مدينة القنيطرة المحررة والذي وجد رسالة لا لبس فيها من ممثلين عن شعوب قدموا من مختلف قارات العالم لإدانة المحتل الصهيوني للجولان والمطالبة بعدم إفلاته من العقاب على إثر جرائم الحرب ضد الإنسانية التي ما زال مسرح الجريمة بمدينة القنيطرة شاهدا على بشاعتها. -الفعاليات الختامية التي نظمت على ثخوم المناطق الرازحة تحت الاحتلال حيث تقابل أعضاء الملتقى مع الصامدين تحت نير الاحتلال الصهيوني في فعاليات نضالية موازية من الجهة المقابلة التي نظمت فعاليات رافضة للاحتلال وتعانقت فيها شعارات المحتجين من الجانبين. حضور الوفد المغربي كان متميزا ليس فقط على مستوى الجهود التي بذلها من أجل حشد التأييد لرفع الاهتمام العربي سياسيا وإعلاميا باحتلال سبتة وامليلية في أفق تنظيم ملتقى دولي للتحسيس بعدالة مطالب المغرب اتجاه هاتين المدينتين وكذا لإنهاء الصمت الرسمي وطنيا ودوليا إزاء أقدم احتلال ما زال يدين الضمير الإنساني العالمي. هذا وقد شكل الملتقى فضاء مناسبا للالتقاء بين الفعاليات من مختلف الحساسيات والتوجهات لتبادل الرأي والفكر في مختلف القضايا والإشكالات بعيدا عن ضغوط الرأي العام والإعلام وهو ما ساعد على الاكتشاف المتبادل وإذابة الجليد المتراكم على امتداد سنوات من الاحتكاك والخلاف. هذه الأجواء الإيجابية التي نتجت من جراء التخلص من الأحكام المسبقة وعن الاحتكاك أطول مدة في فضاء واحد بذرت بذور تنسيق أكبر وتواصل أعمق من أجل القضايا المشتركة وقد لاحت في الأفق ثلاث قضايا استأثرت باهتمام الوفد المغربي إلى جانب النضال مغربيا من أجل قضايا الأمة وهي تقرير الديمقراطية ومحاربة الفساد وكذا إيجاد صيغ لإطلاق حركة شعبية من أجل المطالبة بجلاء الاحتلال الإسباني من مدينتي سبتة وامليلية والبحث عن تحالف دولي داعم من جميع أنصار الحرية والعدل والسلام عبر العالم. هذه القضايا التي تقاربت وجهات النظر بصددها لتكون برنامجا استعجاليا للفعاليات الوطنية والإسلامية المشاركة في ملتقى الجولان تستوجب مزيدا من التنسيق وإحكام التنظيم وإيجاد آليات وصيغ المتابعة والتننفيذ. كما تتطلب تجاوز حالة العشوائية التي ما زالت تطبع مشاركة المغاربة وتستوجب إصلاحا في أطر وفضاءات التنسيق وضخ مزيد من الدمقرطة والتشاورية. ثمة حاجة ملحة إلى بناء قواعد توافقية للنضال من أجل قضايانا الوطنية، قواعد تراعي الاعتبار الكمي والجماهير لبعض التنظيمات جنبا إلى جنب أمام الاعتبار السياسي والرمزي والعلائقي للتنظيمات أو الشخصيات الأخرى. وذلك لأن الكم وحده ليس سوى معطى مهمل إذا سد في وجهه قنوات التعبير والاتصال والعلاقات والرمزية المعزولة عن الجماهير ليس سوى انعزالية فاقدة للمصداقية. وعليه فالمطلوب هيئة تنسيق وطنية تمثل فيها كل الأطراف وتكون فيها القرارات بالإجماع في قضايا يتم حصرها على وجه الحصر وبالأغلبية وفق توزيع للأصوات يوازي الحجم والمكانة الاعتبارية لكل طرف ويتم فيه التداول على المسؤوليات المختلفة دوريا لإعطاء القدوة في القيم والنموذج في القيم التي يطالب بها المنخرطون في هذه الحركية ولتصريف الخلافات بشكل ديمقراطي عوض تركها تتفجر في خضم الفعاليات المنظمة.