اللاعقاب والحرص على مصلحة جهات ذات قوة ولو كان ذلك ضدا على مصلحة الوطن، خصلتان أصبحتا لازمتين لنظم الحكامة في المغرب. ولعل موضوع البطائق الهاتفية المجهولة يقدم أبرز مثال على هذا الخلل في السير الطبيعي للمؤسسات. فالتراخي والتسامح مع انتشار هذا النوع من البطائق التي يجهل لحد الآن عددها ، قد ورط المسئولين في مأزق حقيقي: إما غض الطرف والاستمرار في التراخي مع ما في ذلك من خطر جسيم على أمن البلاد، وإما تطبيق القانون كما هو، مما يعني إلزام الفاعلين بالانضباط لدفتر التحملات الذي بموجبه رخص لهم في استغلال هذا السوق المزدهر جدا، والذي ينص على أنه: يجب أن يكون كل زبون موضوع تعريف مدقق يتضمن على وجه الخصوص، العناصر التالية، الاسم العائلي والشخصي، والعنوان، ونسخة مصورة لبطاقة تعريف رسمية، ويجب أن يتم هذا التعريف عند طلب الاشتراك. وفي هذا النص ما يحمي الدولة والمجتمع من الكثير من الأخطار، وخصوصا منها ذات الطبيعة الإجرامية، من تهريب للمخدرات وغيرها، ونصب واحتيال، إلى الجريمة المنظمة والإرهاب. غير أن في تطبيق القانون إغضابا للنافذين من أصحاب الشركات العاملة في مجال الهاتف النقال. فمداخيل هذه الشركات التي تدرها عليها الهواتف المجهولة الهوية هي أكثر مما تدره عليها الهواتف المسجلة قانونيا. ومع أنها مداخيل غير مشروعة لأنها مبنية على خرق واضح للقانون ولدفتر التحملات تقف الجهات المسؤولة على ما يبدو عاجزة عن حماية المجتمع من الإجرام بتطبيق القانون ومنع البطائق المجهولة الهوية، بل ومتابعة الشركات التي سمحت لباعة مجهولين بترويج بطائقها بأمثان بخسة جلبا لمداخيل وافرة خارج إطار القانون. ولقد بينت الجريمة الأخيرة التي هزت مدينة الدارالبيضاء خطورة هذا التراخي في معالجة المعضلة. ذلك أن الشرطة وقفت عاجزة عن تحديد هوية المجرم الذي اختطف الطفل وحاول ابتزاز عائلته بمهاتفتهم عبر جهاز يحمل بطاقة مجهولة الهوية وغير مسجلة عند الفاعل المواصلاتي، مع توفر عناصر الأمن على رقم الهاتف، إلى أن أكمل المجرم جريمته واغتصب الطفل وقتله قبل التوصل إليه. إن صعوبة الوصول إلى أي مجرم وظف بطائق من هذا النوع تتحمل الجهات التي أصدرتها وروجتها نوعا من المسؤولية. ولكن من يجرؤ على مساءلته في بلد يسوده أسلوب اللاعقاب والتساهل مع النافذين ؟