ثمة مواقف عديدة إيجابية من القضية الفلسطينية يعبر عنها المغرب، لكن تأتي في المقابل مواقف أخرى تشوش عليها فالمغرب يصنف الأول عربيا من حيث جهوده لدعم القدس، والمغرب كان له دور كبير في الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة، كما كان حضوره مميزا رسميا وشعبيا في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، كما كانت مواقفه في المحافل الدولية واضحة بخصوص قضية القدس، وفي هذا الصدد عبرت كلمة وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري أمام الأممالمتحدة عن رفض المغرب للمخططات الصهيونية الرامية إلى تهويد القدس الشريف، وإلى تغيير الطابع العربي والإسلامي للمدينة المقدسة، كما عبر في أكثر من مناسبة عن قلق المغرب وانشغاله بقضية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وشدد على أن قوة الموقف العربي تنبع من وحدة الصف العربي، وأن هذا الموقف يرتكز بالأساس على الدفاع عن الثوابت العربية.. هذه المواقف الإيجابية تشوش عليها مواقف مقابلة تشي بوجود ضغوط كبيرة تمارس على المغرب وتدفعه إلى إنتاج مواقف برغماتية تغطي على المواقف المبدئية السابقة، فإلى جانب استنكار المغرب للمخطط الصيهوني لتهويد القدس، ورفضه لمخطط التوسع الاستيطاني الصهيوني، وشجبه لسياسة استهداف الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، إلى جانب ذلك، تبرز بعض المواقف التي تندرج ضمن مسلسل التطبيع مع العدو الصهيوني، والذي يتسارع في أكثر من مجال، إلى الدرجة التي كشفت فيها مصادر إسرائيلية رسمية عن أرقام التعاملات المالية والتجارية بين المغرب ودولة الكيان الصهيوني، وتحدثت مصادر إعلامية عن لقاء بين وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري مع وزير خارجية الكيان الصهيوني ليبرمان، ولم تنف الخارجية المغربية ذلك رسميا، بل إن وفدا صهيونيا حل بمدينة مراكش للمشاركة في المؤتمر العالمي للسكان الذي انطلقت أشغاله أمس في الوقت الذي وقع فيه اقتحام صهيوني للمسجد للأقصى من قبل جماعات متطرفة، وبدل أن يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني خطا أحمر، أقدمت السلطات المحلية على منع وقفة احتجاجية ضده. إن الضغوط التي يواجهها المغرب، كيفما كان نوعها ومصدرها، لا يمكن بحال أن تكون مبررا للتخلي عن المواقف المبدئية الداعمة للقضية الفلسطينية ليس فقط في الشق الإنساني والإغاثي ، ولكن في الجوهر السياسي، بما لا يدع الموقف المغربي رهين ازدواجية غير مفهومة، تجمع بين رفض سياسة التهويد والاستيطان، وبين الاستجابة للضغط الخارجي للقيام بمساعي من أجل إقناع الدول العربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. هناك حاجة إلى تقوية الجبهة الداخلية المغربية، ورفع سقف الموقف المغربي إلى درجة رفض الاستجابة لهذه الضغوط التي تحاول أن توهم صناع القرار السياسي المغربي بالتلازم بين تسوية ملف الصحراء، وبين الدور المغربي المنتظر في قضية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. يبدو أن الدبلوماسية المغربية مدعوة إلى التفكير بجدية في الرد الهادئ على محاولة الربط بين ملف الصحراء والدور المغربي الذي تنتظره الإدارة الأمريكية للتسريع في عملية التطبيع، ذلك الرد الذي يستدعي أول ما يستدعي الفصل بين الملفين، والتمسك بالموقف المغربي العام في رفض الانجرار إلى التطبيع، وعدم التضحية بالموقف العربي الإسلامي، من أجل قضيتنا الوطنية، والاقتناع بأن للمغرب ما يكفي من الأدوات الدبلوماسية للدفاع عنها وفي مقدمة هذه الأدوات المراهنة على تقوية الجبهة الداخلية، كما أنه لا ضمانة من قبل الإدارة الأمريكية أو غيرها من الحكومات الغربية على تسوية قضيتنا الوطنية بقيام المغرب بما هو مطلوب منه.