اعتبر أن الحديث عن الماضي ذو شجون، تذكره يجعله رهين أحداث ومواقف سابقة مؤلمة وحزينة، وتردد في الكشف عن صفحات من ماضيه الحزين، لكنه اقتنع أخيرا بالغاية والمقصد من سرد جزء من ماضيه الحزين لقراء التجديد، من أجل استخلاص العظات والعبر، التقيناه بعد أن ألقى درسا تربويا بمناسبة شهر رمضان المبارك، يحيى إسم لقب يروي قصة توبته، وتحوله من محتس للخمر والمخدرات وعاشق للفتيات إلى واعظ وخطيب جمعة وأستاذ لمادة التربية الإسلامية. يتذكر يحيي لحظات من الزمن الذي مضى وعمره لم يتجاوز العشرين سنة بعد، كان أمله أن يجد ثمن علبة سجائر أو قهوة المساء، واليوم الأسعد عنده هو اليوم الذي يستطيع أن يوفر فيه ثمن قارورة خمر أو قطعة حشيش، يقتسمها مع رفقاء دربه، ظلت علاقته بوالديه في تباعد ونفور، لا يدخل المنزل إلا بعد أن ينام الجميع، خشية أن تشتم فيه رائحة الحشيش أو الخمر، وخوفا من اللوم والعتاب من أفراد عائلته المحافظة والمتدينة، واستمر الوضع لعدة سنوات، إذ كان يغادر في العطل المدرسية المنزل ليعيش بعيدا عن الأنظار، علاقته بفتيات الدراسة كانت جد منفتحة، ولا يجد حرجا في المشي معهن أو السلام عليهن بالوجه أو غير ذلك مما هو منتشر في أوساط الشباب المنحرف والضال، ونحن في شهر رمضان تذكر صاحبنا بكل أسف كيف كانت تنتهك حرمة هذا الشهر المعظم، إذ يستمر في علاقاته غير الشرعية مع الفتيات، من تبادل للقبلات معهن وغير ذلك. يعتبر يحيى أن المسار الذي انتهجه أثر عليه كثيرا في الميدان الدراسي، يقول: كنت أحتل المراتب الأولى في الابتدائي والإعدادي، تأثرت نتائجي الدراسية سلبا في مرحلة الثانوي، وكنت بصعوبة أحصل على المعدل الذي يخول لي النجاح، واستمر الوضع على ما هو عليه، فتدهورت صحته وساءت علاقاته الأسرية، وظل يحيى يسترجع شريط الأحداث وهو يتحدث إلينا، ويتذكر ليلة من الليالي السوداء التي احتسى فيها الخمر، واقترح عليه أحد رفقاء السوء أن يتناول مادة السلسيون التي يتم استنشاق رائحتها، فكانت أول مرة يتناول فيها تلك المادة، لكنه لم يتأثر بها، يقول ضاحكا كنت جد مخمور ولم أحس بمفعول السلسيون. يعتبر يحيى أن نقطة الانعطافة التي حولت مسار حياته، تمثلت في يوم وفاة ابن عمته الذي كان يسلك نفس طريق الانحراف والضياع، كان شابا غير متزوج، أصيب بداء الروماتيزم عندما كان في السجن، بعد أن ألقي عليه القبض وأمضى عقوبة حبسية بسبب بيعه للحشيش، خرج ابن عمته من السجن نحيف الجسد ومصابا بمرض السل والروماتيزم، أرغموه في المستشفى على عدم التدخين، فرفض واستمر على نفس النهج إلى أن وافته المنية وكان يومه الخميس، فتأثر يحيى كثيرا، وحضر الجنازة صبيحة يوم الجمعة، ويتذكر أنه صلى الصبح قبيل خطبة الجمعة، واتجه رفقة المصلين إلى المقبرة وهو جد متأثر لحال إبن عمته. هو إذا يوم الجمعة الذي ولد فيه يحيى من جديد وعرف طريقه نحو الالتزام، كان أول عهد له بالصلاة، وعزم على عدم التفريط فيها، وبدأ يحيى يتردد على أنشطة إحدى الجمعيات الثقافية بعد أن عرفه عليها أخ له يكبره سنا، فبدأ يحضر الدروس ويواظب عليها، وتحسن مستواه الدراسي بعد أن انتقل من مؤسسة تعليمية إلى أخرى تفاديا لرفقاء السوء، وبدت عليه ملامح الالتزام، حيث كان أصدقاؤه يقولون له أصبحت إخوانيا، فكان يحمد الله على ذلك، ويدعوهم إلى زيارة الجمعية، التي يتلقى فيها الدروس والمواعظ التي تذكره بالله عز وجل وتقوي صلته به، أما أصدقاء السوء فكان يحيى يعمل كل ما في وسعه من أجل عدم مرافقتهم، حتى لا يتأثر بهم من جديد، بل كان هو من يبادر إلى دعوتهم للرجوع إلى جادة صوابهم والإقلاع عن شرب الخمر والتدخين ومعاكسة الفتيات، وانخرط يحيى رفقة أصدقائه الجدد في جلسات تربوية يتلون فيها كتاب الله ويتدارسونه في ما بينهم وهو متعطش لسماع كتاب الله والتفقه في دينه، والتحق بكلية الآداب حيث حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية، وبدأ ينوب عن بعض خطباء المدينة في إلقاء خطبة الجمعة، واستمر في إلقاء الدروس والمواعظ إلى أن حصل على تزكية الوعظ والإرشاد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد أن اجتاز المباراة، وأصبح يحيى أستاذا لمادة التربية الإسلامية، يربي الأجيال ويدعو الناس إلى الابتعاد عن مغريات طريق الفساد، ثم يدعو الناس في خطب الجمعة إلى تربية الأبناء تربية صالحة. في نهاية لقائنا بالخطيب والداعية الذي فتح لنا قلبه، أبى إلا أن يقدم نصيحته للآباء من أجل أن يفتحوا باب الحوار داخل بيوتهم مع أبنائهم، وأن يتابعوا تربية أبنائهم بمصاحبتهم الدائمة، كما تقدم الأستاذ الفاضل بنصيحته للشباب من أجل الابتعاد عن رفقاء السوء والبحث عن الأخيار وملازمتهم، وكذا الارتباط بالجمعيات التي تهتم بالشباب وتؤطرهم وفق المبادئ الإسلامية.