تقلص مدخوله الشهري إلى أقل من 500 درهم بعدما كان في حدود أربعة آلاف درهم، بسبب القروض المتراكمة، ولم يعد محط احترام الصغير ولا الكبير، شجارات متواصلة ليل نهار مع أفراد عائلته وباقي سكان الحي، إنذارات متوالية في العمل... استرجع عمر أجره كاملا، ولم يعد له ديون إلا مبلغ قليل سينتهي من تسديده خلال الشهور القليلة القادمة، وصار أبناء الحي يكنون له كل الاحترام، واستطاع أن يسترجع ثقة الأصدقاء وباقي أفراد العائلة، فماذا وقع لعمر حتى انقلبت حياته رأسا على عقب؟ بداية طريق الإدمان كانت في حفل عرس، إذ اختلط الحابل بالنابل، وأراد عمر الانخراط في جلسة معاقرة خمر استعدادا للسهرة الليلية، وطلب من أحد المدعوين وهو مهاجر مغربي لإسبانيا أن يمده بكأس من الخمر، ليكون له ذلك، خصوصا وأن الجلسة كانت في منزل مجاور لمكان الحفل الذي يقيمه أحد أفراد العائلة، انتهت القنينة الأولى وطلب الجالسون من عمر إحضار قنينة أخرى من مروج الخمر غير بعيد من المنزل، على اعتبار أنه الأصغر سنا من بين الحاضرين. وفي زحمة المدعوين والأغاني ومحاولة تلبية رغبات الضيوف، صادف عمر خالته التي لفت انتباهها حالته، لتسأله عن سبب ذلك، إلا أنها سرعان ما انتقلت إلى وجهة أخرى. تجربة عمر مع الخمر سرعان ما ستنتهي لأنها ارتبطت بنزوة عابرة، ومناسبة أراد أن ينخرط فيها مع بعض المدعوين في جلسة اختلط فيها الفرح والخمر والإدمان والرقص. مرت على الحادث بضع سنين، وتعرف عمر على حميد، الذي كان مدمنا على الخمر والمخدرات، لم يكن يعلم في الوهلة الأولى إدمان حميد الذي يتوفر على محل تجاري، ولما علم بذلك بدأ عمر ينصحه بالابتعاد عن الإدمان، إلى أنه بدل أن تعطي النصائح نتيجة ويغير الصديق العادات السيئة، أراد عمر أن يجرب مفعول المخدرات، وانخرط مع حميد وأحد الأصدقاء الآخرين في جلسة، وبعد أن أحس بالدوران في رأسه توجه مباشرة إلى المنزل ونام دون أن يغير ملابسه في ساعة مبكرة من الليل. بعد هذا اليوم، تغير معاملة حميد لعمر، واستمر في مرافقته، وبدأ يمده بالسجائر والمخدرات دون مقابل، ليدخل إلى عالم المخدرات من بابه الواسع، خصوصا وأن الفراغ كان سيد الموقف. توسع دائرة معارف عمر من المدمنين وتجار المخدرات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل شمل جميع أنواع المخدرات والخمور. في الأيام الأولى كان حميد يبحث عن عمر من أجل الذهاب لاقتناء المواد المخدرة، وبعد مرور أسابيع قليلة لم يعد عمر يحتمل العيش دون صديقه ودون أخذ قدر معين من السجائر المحشوة. المشاكل بدأت تطفو على السطح، في العمل والشارع وفي المقهى، إلا أن الغياب المستمر لعمر عن المنزل جعل أفراد العائلة لم ينتبهوا إلى الأمر إلا بعد مرور وقت متأخر، لتتغير العلاقة بين عمر والإخوة. دخل شهر رمضان، وتغير نمط حياة عمر الذي يقضي الليل في جلسات مع الأصدقاء لدى أحد المنازل، إذ يجتمعون، ويوزعون الوقت ما بين السمر ومشاهدة التلفاز ولعب الورق، مع استهلاك المخدرات حتى التباشير الأولى من الصباح. وعلى الرغم من أن عمر كان يرافق أصدقاء السوء إلا أن إلحاح الأم على ضرورة المحافظة على الصلاة إلا أنه كان يخالف ذلك، لقد كان عمر يصلي صلاة متقطعة، وخلال فترات أخرى كان يحافظ عليها. وأمام نصائح بعض الأقارب والأصدقاء، بدأ عمر يؤنب ضميره ويعرف أن المسار الذي سلكه مشوب بالمخاطر ومعاشرة أصدقاء السوء، وبالتالي فقدان الرصيد المعنوي، وثقة الأفراد. في ليلة من ليالي رمضان، توجه عمر إلى المسجد للصلاة دون أن يعرف من الذي دفعه إلى ذلك، وسمع آية مازال يتذكر تلك الليلة كلما مر عليها لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.... الآية جعلته يعيد شريط ومجريات حياته خلال فترة الإدمان وما قبلها، ليقرر التخلي على المخدرات والخمور، والاقتصار على السجائر. بدأ عمر يقلل من علاقته مع أصدقائه، ويملأ أوقات فراغه إما بالعمل أو الرياضة أو قراءة الجرائد والكتب، إلى أن استطاع أن يقلع عن التدخين، ووضع مسافة بينه وبين أصدقاء السوء. تغيرت نظرة عمر إلى ما حوله، وإلى الواقع، وبدأ يحس بمذاق الإيمان، إلا أنه وجد صعوبة في الاستغناء عن التدخين على الرغم من أنه بدأ يحس بإرادة قوية للتخلص منه. لدى رجوعه من العمل وجلوسه على مقربة من المنزل، أخذ عمر ينتشي بسيجارة في فمه، واقترب منه أحد اطفال الجيران لا يتجاوز عمره ثمان أو تسع سنوات وسأله: لماذا تدخن، ألا تعرف أن السيجارة مضرة بالصحة؟ تفاجأ عمر بعبارات الطفل الصغير، فبالرغم من حداثة سنه إلا أن حسن النفع والضرر متيقظ عنده، ولذلك كان لكلامه وقع على عمر، ومع مرور أيام قلائل بدأ يضع مسافة فاصلة بينه وبين التدخين، ويخرج من فترة الإدمان بأقل الخسائر، ويتذكر دائما الآية والطفل الصغير اللذان غيرا مجرى حياته، والله سبحانه وتعالى الذي كتب له الهداية. خالد مجدوب