دعا الجيش التركي خريجي كليات العلوم الدينية بالتقدم لشغل وظائف شاغرة بداخله، في خطوة غير مسبوقة منذ عقود داخل تلك المؤسسة العسكرية التي تحكم بالطرد أو عقوبات قاسية أخرى على أي عسكري يبدي مظاهر تدين. ويأتي الإعلان عن هذا التطور بعد يوم واحد من قرار مجلس التعليم العالي إزالة العقبات التي كانت تحول دون التحاق خريجي المدارس الثانوية الدينية والمدارس المهنية بكليات تخالف تخصصاتهم في الجامعة كالطب والهندسة والعلوم السياسية. وبحسب ما نقله موقع أخبار العالم التركي عن الموقع الإلكتروني للقوات البرية التركية، فقد أعلنت الأخيرة عن حاجتها لتعيين 300 ضابط في قطاعات المشاة، والدبابات، والمدفعية، والدفاع الجوي، والإمداد، والمالية. كما أعلنت القوات البرية أنها بحاجة لتعيين عدد من المدرسين من خريجي التخصصات في اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية، والآداب والتاريخ والرياضيات والإرشاد السياحي، وأنه يمكن لخريجي كلية الإلهيات (العلوم الدينية) التقدم لشغل هذه الوظائف. ومن المعروف أن القوات المسلحة التركية (أبرز حماة العلمانية الأتاتوركية الصارمة) لا تسمح مطلقا لخريجي المدارس والكليات الدينية بالالتحاق بها، بل تعد تقارير شبه دورية عن أعضاء القوات المسلحة الذين لديهم انتماءات دينية لتقديمها إلى اللجنة المختصة لتسريحهم من الجيش، أو فرض عقوبات قاسية أخرى عليهم بحجة أنهم يهددون النظام العلماني للدولة. الأئمة وفي الأسبوع الماضي خطت الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية خطوة فارقة في زعزعة القيود العلمانية المفروضة على التعليم العالي، حين قرر مجلس التعليم العالي الثلاثاء الماضي السماح لطلاب المدارس الثانوية الدينية والمهنية بالتقدم للالتحاق بكليات في غير تخصصاتهم بالجامعة بداية من العام الدارسي .2010 ويفرض قانون التعليم العالي على طلاب هذه المدارس ألا يتقدموا إلا لكليات دينية، بالنسبة لخريجي مدارس الأئمة والخطباء، أو كليات في تخصصات مهنية بالنسبة لخريجي المدارس المهنية، وذلك بطريق غير مباشر؛ حيث إنه كان يخصم من مجموع درجات هؤلاء الطلاب عشرات الدرجات لدى تقدمهم لامتحانات القبول في الكليات الأخرى، وهو ما كان يعدم فرصتهم في الالتحاق بها مقارنة بزملائهم من خريجي المدارس العادية الذين لا يخصم منهم أي درجة. وينص التعديل الأخير على إزالة البند الخاص بخصم درجات من مجموع الدرجات الحاصل عليها طلاب المدارس الدينية والمهنية. وقبل صدور هذا التعديل نشرت صحيفة زمان في 18 يوليوز الجاري لقاءات مع عدد من الطلاب المتفوقين من خريجي هذه المدارس، يتحدثون فيها عن ضيقهم من الظلم الواقع عليهم بسبب هذا القانون. ومن هؤلاء اثنتان من خريجي مدرسة كونيا سيلشوكلو الثانوية للأئمة والخطباء، هما شريفة هورسان وسوحيال كيفراك، فقد حصلت على الأولى على المركز التاسع على مستوى الجمهورية في الثانوية، فيما حصلت الثانية على المركز ,22 ورغم ذلك لم تنجحا في التقدم للتخصص الذي حلمتا به. وتعبر شريفة عن هذا الشعور: لقد تفوقت.. ولكن لا أشعر بالفخر لذلك.. فماذا تفعل لي درجاتي الكبيرة ما دامت لن توصلني إلى حلمي بالالتحاق بكلية الطب. وبنفس مشاعر المرارة تقول سوحيال: لست سعيدة بتفوقي.. ورغم ذلك لست نادمة على التحاقي بالمدرسة الدينية.. فقد علمتني كيف أتصرف وأرتدي ملابسي بشكل يناسب الإسلام.. أتمنى أن تنتهي مشكلة التمييز بيننا في الالتحاق بالكليات قريبا حتى لا يتجرع من سيأتي بعدنا من نفس الكأس. وصدر قرار التضييق على خريجي المدارس الثانوية المهنية والدينية في الالتحاق بتخصصات غير تخصصاتهم بالجامعة عام 1997 ضمن إصلاحات أدخلها الجيش في قوانين الدولة عقب إرغامه حكومة نجم الدين أربكان على الاستقالة بحجة إظهاره ميولا إصلاحية إسلامية، وكان هدفه منع خريجي الثانويات الدينية من الحصول على تعليم عال يؤهلهم فيما بعد للحصول على فرص عمل جيدة في الحكومة والمؤسسات الرسمية. حق المساواة ورحب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، بهذا الإصلاح قائلا: لقد وضع المجلس أخيرا حدا لظلم مرتبط بالحق المتساوي في اختيار التخصص الدراسي بين جميع الطلاب. وردا على انتقادات صادرة عن بعض العلمانيين الأتاتوركيين بأن هذه القرار سياسي ومرتبط بما يقول هؤلاء إنها أجندة إسلامية خفية يتبناها حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية قال أردوغان: هذا القرار ليس سياسيا. وكان أردوغان قد وعد خلال حملته الانتخابية الأولى عام 2002 بإصلاح قانون التعليم العالي الذي يميز بين الطلاب في فرص الالتحاق بالكليات. كما لقي القرار ترحيبا من قطاع كبير من رجال الأعمال والتعليم وعبر عن هذا رئيس غرفة تجارة إستانبول، مراد يالجينتاس، الذي قال: حالما يتم تطبيق هذا القرار فإنه سيتيسر لنا الحصول على الأعداد الكبيرة التي نحتاج إليها بشدة في مصانعنا ومتاجرنا من خريجي الثانويات والكليات المهنية المدربين. ويشير يالجينتاس في ذلك إلى الشح الذي تعاني منه بعض الهيئات الصناعية والتجارية والمهنية التركية الأخرى من العمالة المدربة والمتخصصة؛ حيث كان الكثير من الطلاب يعزفون عن الالتحاق بالثانوية المهنية لعلمهم بأنه لن يسمح لهم بالالتحاق بالتخصصات التي يريدونها في الجامعات. وأنشأ الجيش مجلس التعليم العالي كمؤسسة وصاية على التعليم العالي بعد الانقلاب العسكري عام ,1980 وكان أغلبية أعضائه يختارون من بين المقربين من المؤسسة العسكرية العلمانية، لكنه بعد تولي عبد الله جول، رفيق أردوغان في تأسيس حزب العدالة، رئاسة تركيا عام 2007 زاد بصلاحياته الرئاسية من نسبة المعتدلين حتى أصبحوا أغلبية في المجلس مقارنة بالعلمانيين الأتاتوركيين.