كيف تقيمون عشر سنوات من تدبير ملف التعليم؟ رغم الرؤية المتفائلة المتضمنة الخطب الملكية والتي تعطي لنظام التربية والتكوين المكانة الأساس في المشروع المجتمعي وتعتبره صلب التغيير والتنمية ، إلا أن هذه الرؤية لم ينعكس على أرض الواقع لجملة من الاعتبارات نذكر منها: ـ عدم الاعتراف من قبل الدولة بقطاع التربية والتكوين كقطاع إنتاجي والإصرار على اعتباره قطاعا اجتماعيا استهلاكيا ، والتعامل معه بالمقاربة الإحسانية - على أهميتها بالنسبة للفئات الفقيرة والمهمشة - وهي الرؤية التي تم تجاوزها في الدول المتقدمة التي تعتبر هذا التعليم قطاعا إنتاجيا تستثمر فيه الدولة لتسريع وتيرة التنمية ، والاستجابته لحاجات للبلد ، ، كما تجعل منه قطاعا شريكا مندمجا في مسيرة التنمية المحلية والجهوية والوطنية وخاصة في التكوينات الجامعية والبحث العلمي ، ومن ثم تنظر إلى ميزانية التعليم باعتبارها استثمار في التنمية البشرية على المدى المتوسط ، وليس استهلاكا اجتماعيا لا مردود له. ـ قطاع التربية والتكوين بين الرؤية الاستراتيجية وتعدد الإشراف : لقد تعاقب على قطاع التربية والتكوين أكثر من ثمان وزراء في ثمان سنوات مما يجعله القطاع الأقل استقرارا في البلاد على مستوى جهاز الإشراف والتدبير الحكومي ، وإذا ما عملنا أن هذا القطاع في حاجة إلى توحيد الإشراف كما ينص على ذلك الميثاق ، والاستقرار في الأجهزة التنفيذية من أجل منح الفرص الكافية لإنجاز الأوراش المفتوحة ، فإن هذا التعدد يعتبر مؤشرا سلبيا على تدبير القطاع ، رغم أن البعض يدفع ذلك بالحديث عن أهمية الاستفادة من الخبرات والتجارب المتعددة ، وإذا ما علمنا أن القطاع قد أسند خلال العشرية إلى مكونات سياسية مختلفة تحمل كل واحدة منها رؤية معينة وأولويات محددة للقطاع ، فإن هذه التعدد لم يسمح بتنطبيق مقتضيات الميثاق ذات البعد الاستراتيجي ، كما لم يسمح لأي جزب بتنفيذ جزء من رؤيته لإصلاح التعليم . ـ الميثاق بين التنظير والتنزيل :نعتقد أن المقاربة الإديولوجية لملف التعليم وخاصة في الحكومات المتعاقبة من 2000 إلى 2007 كانت كارثية بكل المقاييس ، وذلك حينما اختفى الطابع التوافقي للميثاق وحضر مكانه السعي إلى تسويق رؤية معينة للتعليم ، وخاصة على مستوى المفاهيم والقيم ، يستغل الفرصة لتصفية الحسبات السياسية والإديولوجية مع فكر يرون أنه أسهم لعقود في حرمان المغرب من الانفتاح على المفاهيم الدولية ، ورسخ قناعة التشبت بخصوصيات آن الأوان لزعزعتها وتحييدها ، مما ولد ردود أفعال قوية من طرف الآباء والأمهات والعديد من المؤسسات العملية والإعلامية والتربوية، وهذه المقاربة أدخلت المنظمومة التربوية في صراعات كانت في غنى عنها ، وحولت الأنظار عن المشاكل الحقيقية لقطاع التربية والتكوين . كما نعتقد أن غياب المقاربة الشمولية في التنزيل جعلت كل حكومة تركز على ملف دون باقي الملفات التي يجمع الاخبراء في مجال التربية والتعليم أنها مترابطة ولا يمكن لأي إصلاح أن يؤتي أكله إلا بالمقابة الشاملة والمتوازنة والمتوازية لها ،وهكذا تم التركيز في البداية على ملف المناهج ، في غياب شروط تنزيلها من تكوين للأطر الإدارية والتربوية والبنيات التحتية ، ثم الاهتمام في مرحلة ثانية بتأهيل البنيات التحتية والتجهيزات بعد أن مر على تنفيذ المناهج ما يقرب من سبع سنوات ، ثم انتقلنا إلى مقاربة استعجالية ترى الخلل في كل شيئ وتريد أن تتدارك مكامن الخلل في كل شيئ في فترة قياسية لا تتجاوز أربع سنوات . كيف تقرؤون التحولات في تدبير ملف التعليم داخل هذه العشرية؟ إن تنزيل الميثاق كان ـ بإجماع المتتبعين ، ووفق التقارير الوطنية والدولية التي أصدرتها مختلف الفعاليات والمنظمات المهتمة بالشأن التربوي والتعليمي بالمغرب - دون المستوى المطلوب . وفي اعتقادي يمكن أن نرصد مرحلتين اثنتين رافقت تدبير هذا الملف منذ إقرار الميثاق: مرحلة تسويق التفاؤل المزيف والتي استمرت قرابة ست سنوات من العشرية ، ثم مرحلة الاعتراف بالخلل بعد فوات الأوان ، وهو ما جسده تقرير النصف العشرية الصادر عن اللجنة الوطنية المكلفة بالميثاق ، وزكاه تقرير المجلس الأعلى للتعليم. في نظركم ما هي التحديات المستقبيلة التي تواجه تدبير هذا الملف؟ بشكل عام يمكن أن نرصد التحديات التالية: - تحدي الاستقلالية وضعف التمويل إذ لم يصمد المغرب طويلا وهو يحاول بناء منظومة تربوية ذات هامش مستقل عن الإملاءات الأجنبية وخاصة الانفصال عن وصاية المنظور الفرنكفوني للإصلاح منظمومة التربية والتكوين ومحاولة الاستفادة من التجارب المتعدة وخاصة من النظام التعليمي الأنكلوساكسوني ، وقد اصطدمت هذه المحاولة بالباب المسدود وعادت الدولة للارتماء في أحضان الشريك الفرنسي بعد توقيع اتفاقيات لتمويل المخطط الاستعجالي بقروض فرنسية بمآت الملايين من الأرو ، مما سيجعل منظومتنما التربوية رهينة بالمخططات التنموية الفرنسية التي تراجعت في سلم المنظومتات التربوية الدولية سواء كلغة أو كرؤية لإصلاح التعليم . - تحدي تأهيل المؤسسة التعليمية كوعاء لتنفيذ الإصلاح : ويمكننا القول بدون أدنى تحفظ أن المدرسة المغربية في هذه العشرية قد فقدت الكثير من قيمها وتقاليدها ، وأصبحت المؤسسة التعليمية غارقة في تدبير الملفات الأخلاقية والأمنية ، عوض الاشتغال بالتدبير التربوي ـ تحدي انخراط الإطار الإداري والتربوي في مسيرة الإصلاح :إذ رغم المجهودات المبذولة من أجل توفير الأطر الإدارية والتربوية الكافية فإن هذه الأطر لا زالت في حاجة ماسة إلى مقاربة شاملة لتأهيلها وإدماجها في مسيرة الإصلاح ، وذلك بتوفير الشروط الإدارية والتربوية والمادية التي تمكنها من القيام بمهامها في ظروف مناسبة للمهنة. ـ تحدي تحصين مكتسب التعميم بتوفير شروط الجودة. وأخيرا هناك حاجة ماسة إلى إلى نسخة جديدة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، تنطق من هوية الشعب المغربي وتستجيب لحاجاته التنموية ، نسخة تنتقل من الوثيقة التوجيهية ، إلى وثيقة ذات قيمة قانونية ملزمة ، تسهر على تنفيده هيئة مستقلة للتقويم ذات نفس وطني وغيرة على البلد ومتشبعة بالتجديد ومنفتحة على معطيات الواقع ومواكبة لتحولاته.