مع أنه لم يُنشأ إلا في سنة 1982 فإن الدي.جي.إيس.أو.(الإدارة العامة للأمن الخارجي) الذي يتوفر اليوم على ما يزيد على الخمسة آلاف عميل له جذور تمتد إلى أواسط سنوات الحرب العالمية الثانية. ففرنسا الحرة المستقرة آنذاك في لندن قامت بإنشاء البي.سي.إير.آ. (المكتب المركزي للاستعلام والعمل) بإيعاز من آندري ديوافران، المعروف أكثر تحت إسم الجنرال باسي. هذا الضابط السابق في سلاح الهندسة الذي كلفه الجنرال دوغول بإقامة مكتب ثانٍ (أي جهاز استعلامات عسكري) للتنسيق ما بين شبكات الاستعلام التي تم نشرها داخل فرنسا. وكانت مهمته تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول تحركات المحتل. في سنة 1942 مَكَّن نزول الحلفاء في إفريقيا الشمالية من إقامة حكومة مؤقتة في الجزائر. فكان الرد الألماني باحتلال المنطقة الحرة. وهو ما أدى إلى فرار العديد من العملاء - الذين كانوا عمليا تابعين لحكومة فيشي الفرنسية الموالية للمحتل الألماني؛ غير أنهم في حقيقة أمرهم كانوا أوفياء لوطنهم فرنسا- إلى الجزائر. إلا أن المواجهة بين الجنرالين سيرولت ودوغول؛ أدت إلى أن توحيد مختلف المصالح الاستعلامية لم يتسنَّ القيم به إلا انطلاقا من سنة .1943 وهو ما انتهى بعد التحرير إلى إنشاء الإس.دي.أو.سي.أو. (مصلحة التوثيق الخارجي والتجسس المضاد). وهذه المصلحة تم ربطها مباشرة برئاسة المجلس وأصبحت بذلك أداة بين يدي الممثلين السياسيين والمدنيين للجمهورية؛ في الوقت الذي كانت فيه مصالح الاستعلامات والعمليات إلى ذلك الحين تابعة للقيادة العامة لأركان الجيش. وكان أول مدراء الجهاز الجديد الإس.دي.أو.سي.أو. هما جاك سوستيل الذي سيكون له دور من أعلى مستوى في الجزائر وكذلك الدائم التواجد آندري ديوافران. في سنة 1949 استقر جهاز الإس.دي.أو.سي.أو. في ثكنة التوريل، بشارع مورتيي، وهو ما أدى إلى تسمية هذا الجهاز ب المسبح؛ لأنه كان يحادي مسبح التوريل؛ وسوف يكون عليه أن يتحمل مباشرة صدمات الحروب الاستعمارية وكذلك صعود الحرب الباردة. وأجهزته المؤطرة القادمة أساسا من صفوف المقاومة ومن فصائل فرنسا الحرة تكيفت بشكل جيد مع السياسة الأطلسية للجمهورية الرابعة. إلا أن حرب الهند الصينية؛ وخصوصا حرب الجزائر سوف تفرضان بعض النزاعات داخل ثكنة مورتيي. في عز الحرب الباردة؛ تم تجنيد مصالح الإس.دي.أو.سي.أو. ضد جبهة التحرير الجزائرية وضد كل من يدعمها. فأصبح بذلك السياسيون الجزائريون والأجانب، وكذلك تجار السلاح أهدافا يجب توريطهم و تعريضهم للخطر أو تصفيتهم. ولقد تكفل بهذه المهام كل من شعبة آكسيون وكتيبة الصدمة الحادية عشرة؛ التي تتكون من فيلق متخصص تابع مباشرة للإدارة. وهكذا تم تنفيذ عمليات في الخارج: اليونان، تركيا، والمغرب؛ وهي عمليات أدت احيانا إلى أضرار جانبية. الحدود التونسية كانت سالكة على الرعم من خط موريس ظلت محل تسللات موجهة إلى مهاجمة عناصر جيش التحرير الجزائري داخل معاقلهم وملاذاتهم الآمنة. والحرب ضد الإرهاب وفرت حتى ذرائع لعمليات تم تنفيذها داخل التراب الفرنسي نفسه. وصول الجنرال دوغول إلى السلطة، وسياسته الخارجية المتحفظة تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية وإدارته لـأحداث الجزائر سوف تؤدي إلى تجديد عميق في تأطيرالجهاز؛ على الرغم من مقاومة الجهاز للميولات العصيانية خلال انقلاب الجنرالات الأربع في الجزائر. وهذه الحقبة سوف تكون سببا في إطلاق الإس.دي.أو.سي.أو. في الصراع ضد الو.ا.س. (منظمة الجيش السري) التي كانت تعمل سرا بإشراف مباشر من الجنرالات المتمردين الأربعة بغية الحفاظ على الجزائر تحت السيطرة الفرنسية، وكانت تقوم باغتيالات وأعمال عنف.غير أن الإس.دي.أو.سي.أو. سوف يتورط فيما بعد في قضية المهدي بنبركة. وهذا الوضع الحرج أدى إلى تسريع عملية إعادة تنظيم الجهاز؛ الذي كان إلى تلك الآونة تحت الوصاية المباشرة لرئيس المجلس، ثم للوزير الأول؛ فأصبح من حينها تابعا لوزارة الدفاع. آليكساندر مارينش الذي عين على رأس الجهاز سنة 1970؛ تم تكليفه بإصلاح مؤسسة الاستعلامات الفرنسية هذه. هذا الإصلاح انتهى بعد أحد عشر عاما على ذلك التعيين إلى إنشاء الدي.جي.إيس.أو. وإلى رحيل الرجل الذي قاد العملية الإصلاحية إلى نهايتها. ومما يدعو للفضول كون هذا التغيير حدث أحد عشر شهرا بعد انتخاب فرانسوا ميتران رئيسا للجمهورية. والمرسوم المؤسس للجهاز الجديد يجعل منه المصلحة الوحيدة التابعة للدولة المؤهلة للقيام بعمليات سرية بالخارج. شعبة آكسيون وكتيبة الصدمة الحادية عشرة؛ كانتا محل عمليات إعادة هيكلة وإعادة تنظيم متعددة. فهل هذا ما أدى للعديد من الإخفاقات؟ لقد كان الإخفاق الأكثر حدة هو بدون شك سنة 1985 في قضية غرينبيس على إثر العملية التي قام بها مجموعة من الجنود الغطاسين في نيوزيلاندا؛ وهي العملية التي انتهت بمقتل مصور خلال عملية تخريب باخرة المنظمة غير الحكومية غرينبيس المعارضة للتجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادي. بل والأكثر خطورة أن العملية اتنهت باحتجاز ومحاكمة وسَجن عملين من عملاء الجهاز. ولقد تم عزل الأميرال لاكوست الذي كان في تلك الحقبة على رأس الدي.جي.إيس.أو. من منصبه بعد ذلك بشهرين؛ وهو العزل الذي لم يمنع اندلاع فضيحة سياسية هزت أركان الجمهورية هزا. ولم تكن قضية مغارة أوفيا التي حدثت بعد ذلك والتي تورط فيها الدي.جي.إيس.أو. لتحسن من سمعة هذا الجهاز؛ حتى وإن بدا مؤكدا أن مسؤولية السياسيين واضحة وأساسية. ويجب الاعتراف كذلك بأن العمليات الناجحة لا تثير أي ضوضاء وخصوصا أي ضوضاء إعلامية رغم أن هذه النجاحات ليست قليلة؛ ومنها عمليات تحرير العديد من الرهائن الفرنسيين الذين تطول لائحتهم والرهينة فلورانس أوبيناس لا شك تعرف شيئا عن ذلك. جزم- لوك غارنيي