تسهم 1503 جماعة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العديد من مدن وقرى المغرب؛ على اعتبار حجم مداخيلها التي وصلت إلى 21 مليار درهم السنة الماضية، ومدى تدخلها في العديد من القطاعات من قبيل التعمير والتشغيل والصفقات والتجهيز....، إلا أن الإسهام الفعال لهذه الجماعات يمكن أن يتحول إلى مجرد مؤسسات تكرس الهشاشة والتهميش التي تعيش على وقعه بعض المناطق. الجماعات والتنمية تسهم الجماعات المحلية، التي يصل عددها إلى 1282 جماعة قروية و221 جماعة حضرية، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية على اعتبار حجم تدخلها في العديد من المجالات، مثل التعمير والإسكان والتشغيل والمرافق ذات الصبغة الاقتصادية، ونظرا لحجم مداخيل الجماعات المحلية( دون احتساب مداخيل القروض) برسم سنة 2008 التي وصلت إلى حوالي 21 مليارا و133 مليون درهم، مسجلة بذلك ارتفاعا بـ13 في المائة مقارنة مع السنة المنصرمة. وستمكن هذه المداخيل الإجمالية من مواجهة حجم النفقات التي تبلغ 19 مليارا و281 مليون درهم، أي بتغطية تقدر نسبتها بـ91 في المائة، وفق تقرير لوزارة الداخلية، الذي أضاف أن مداخيل القروض ستبلغ مليارا و200 مليون درهم، مشكلة بذلك حاجيات للتمويل ستتم تغطيتها بواسطة قروض صندوق التجهيز الجماعي. وأمام الكم الهائل للمداخيل الجماعات المحلية وثقلها على المستوى المحلي، وتدبيرها للعديد من المرافق الحيوية ذات الصبغة التجارية المتمثلة خاصة في أسواق الجملة للخضر والفواكه، وأسواق الجملة للسمك، وأسواق الجملة للدواجن، ومجازر اللحوم الحمراء، وكذا المحطات الطرقية للمسافرين، فإنها إما أن تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو أن يبقى التراب المحلي التابع لهذه الجماعة تحت التهميش وضعف البنية التجارية والاقتصادية، ومن ثم انعكاس ذلك على المستوى الاجتماعي وتنامي ظواهر يصعب تجاوزها على المدى القريب والمتوسط، كيف ذلك؟ أبانت بعض الجماعات المحلية على الصعيد الوطني عن نجاعتها وإسهامها في إحداث دينامية تنموية، على اعتبار تدبير معتمد على الشفافية والنزاهة والتخطيط المستقبلي، وفتحها لأوراش اقتصادية واستثمارية أسهمت ليس في الرواج التجاري فحسب، بل في إحداث العديد من مناصب الشغل. وعلى النقيض من ذلك يمكن أن تسهم الجماعات المحلية في تكريس الوضعية الهشة للمنطقة التي توجد فيها، وذلك بسبب الاختلالات المالية والإدارية التي تقع في هذه الجماعات، ولعل تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير وقف عن جملة من الحالات في العديد من الجماعات، تبرز حجم الاختلالات المالية والقانونية والتدبيرية لحوالي 65 جماعة حضرية وقروية، عرفت افتحاصات من لدن المجالس الجهوية للحسابات، مما ينم عن الوضعية الكارثية التي تعيش على وقعها هذه الجماعات، وقد همت هذه المهام الرقابية جميع أوجه التدبير، سواء بالنسبة لتدبير المداخيل والموارد البشرية والأملاك الجماعية وتنفيذ المشاريع الجماعية وتقييم جودة خدمات المرافق العمومية الجماعية. وأوضح محمد الغالي الأستاذ الجامعي أن أسباب هذه الخروقات التي تعرفها هذه الجماعات تنتج عن غياب الشفافية والنزاهة، وبأن المعايير التدبيرية في الجماعات المحلية لا تركز على المباديء الأساسية في الحكامة، مضيفا في تصريح سابق أن غياب المحاسبة والمساءلة هي أكبر عائق في هذا الإطار، لأن تحريك المسطرة القضائية يتطلب إرادة سياسية من جهة، ومراقبة الأحزاب لممثليها من جهة أخرى. الجماعات الحضرية والقروية تواجه الجماعات العديد من التحديات سواء الحضرية أو القروية، الأولى باعتبار أن المدن تعتبر محركا للتنمية الاقتصادية، وتسهم بأكثر من75 في المائة من الناتج الداخلي الخام الوطني، وهي مورد رئيس للدخل الضريبي للدولة، بالإٌضافة إلى أن هناك أزيد من مليون نشيط حضري عاطل، وأكثر من ثلاثة ملايين حضري في وضعية اجتماعية حرجة، 27% تحت عتبة الفقر و73% في وضعية هشاشة، وفق ما جاء في تقرير لوزارة الداخلية، الذي أضاف أنه فيما يتعلق بالرهانات المتعلقة بالبيئة، فهناك أكثر من 95% من النفايات الصلبة تبقى بدون معالجة، أي حوالي 8 ملايين طن في السنة، وأكثر من 90% من النفايات السائلة تبقى بدون معالجة، أي حوالي 600 مليون متر مكعب، في سنة ,2005 عوض 48 مليون متر مكعب خلال سنة .1960 وأكثر من 30 % من البنايات تنجز سنويا، فوق أراضي فلاحية بضواحي المدن في غياب أي تخطيط. وبخصوص الجماعات القروية فإنها تعرف العديد من الإشكاليات التي تعوق التنمية، وهي إما مؤسساتية، مثل ضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين، ونقص في الالتقائية، وعدم إشراك الجماعة في مرحلة تحديد الأولويات والمشاريع؛ وإشكالية منهجية اقتراح المشاريع ودراستها وتتبعها وتقييمها، بالإضافة إلى المعيقات الاجتماعية والجغرافية، مثل الفقر والهجرة القروية، والسكن المتفرق وضعف البنية التحتية وإشكالية توفير خدمات القرب بصفة مستمرة ودائمة. تطلعات للوصول إلى جماعات مسهمة يتطلب ذلك حسب العديد من الفاعلين حكامة جيدة، وذلك من أجل الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، وإلى تغيير نظرة المواطن للخدمات الجماعية ودور الجماعات في التنمية، إذ إن العديد من المواطنين يرون أن الذين يصلون إلى تسيير الجماعات لا يهمهم إلا المصالح الشخصية، وهو ما يكرسه عدم مسايرة بعض النصوص القانونية للواقع، مما يفرض ضرورة تحيينها لتواكب التطور الاجتماعي و التنمية الاقتصادية ؛ فضلا عن عدم وضع آجال محددة لتسليم الوثائق و البث في الطلبات و الشكايات والملفات.