تعززت مالية الجماعات المحلية، باعتبارها وحدات للقرب خلال السنوات الاخيرة بفضل الدينامية المسجلة سواء من خلال مداخيل الجبايات الرئيسية المخصصة لها أو من خلال حصة من الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يقوي هوامش تدخلاتها للإسهام في الجهود المبذولة من أجل تحقيق تنمية محلية مستدامة ومتجانسة. وإجمالا، فإن الوضعية المالية للجماعات المحلية تبدو في أفضل أحوالها، كما تعكس ذلك معطيات وإحصاءات صندوق تجهيز الجماعات المحلية والخزينة العامة للمملكة على حد سواء. وحسب هذا الصندوق الذي يعد الشريك التقني والمالي الرئيسي للجماعات المحلية، فقد بلغت مداخيل هذه الجماعات الخاصة بالتسيير سنة2008 حوالي20 مليار درهم, مسجلة ارتفاعا بنسبة 10 في المائة مقارنة مع سنة2007 أي بمعدل إنجاز فاق مائة في المائة من توقعات الميزانية. ومن جهتها، ارتفعت نفقات التسيير إلى حوالي 13 مليار درهم، مما مكن من توفير حساب جاري تجاوز سبعة ملايير درهم، بإمكانه تغطية كافة نفقات التجهيز. أما في ما يتعلق بثاني مورد من شق التجهيز، فقد جاء بشكل طفيف وراء الحصة الخاصة بالاستثمار ( الضريبة على القيمة المضافة) حيث بلغ الحجم الاجمالي لمداخيل الاقتراض ملياري درهم، أي ما يعادل الحجم السنوي الأكثر ارتفاعا منذ إطلاق أول تنظيم جماعي سنة 1960 . وبخصوص الاستثمارات، فقد استثمرت الجماعات المحلية وتجمعاتها سنة 2008 حوالي 8 ملايير درهم 24 في المائة منها في إطار المساهمة في البرامج الوطنية الخاصة بتعميم التزود بالكهربة والماء الشروب والطرق بالعالم القروي، وذلك حسب إحصائيات الخزينة العامة للمملكة. وبلغت نفقات الاستثمار، التي نفذ43 في المائة من التوقعات الخاصة بها بما في ذلك القروض المؤجلة، بالنسبة للجماعات الحضرية إلى 33 ر3 مليار درهم، وبالنسبة للجماعات القروية (83 ر1 مليار درهم) والعمالات والأقاليم (7 ر1 مليار درهم) والجهات (06 ر1 مليار درهم). وتركز الجماعات المحلية جهودها الاستثمارية بالأساس على مشاريع البنيات التحتية في عدد من المجالات كالماء والتطهير والطرق، فضلا عن الجانب الاجتماعي. كما أن هذه الجماعات تضطلع بدور محوي في إعداد وتمويل المشاريع المدرجة ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث تصل نسبة مساهمة هذه الجماعات برسم الفترة 2006 -2010 ما مجموعه 20 في المائة من الغلاف المالي المخصص لهذه المبادرة، التي تولي اهتماما خاصا لمشاريع القرب (10 ملايير درهم). 2008 سنة الإصلاحات لقد شهد الشأن المحلي خلال سنة 2008 مجموعة من الإصلاحات الراميةإلى التأكيد مجددا على الدور المحوري للجماعات في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. ويتعلق الأمر بالميثاق الجماعي الجديد، والمرسوم الجديد للتقسيم الإداري، ومدونة الانتخابات الجديدة، ودخول القانون رقم 06 -47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية وتجمعاتها حيز التنطبيق. وقد أجمع المنتخبون المحليون على أنه من شأن هذا القانون أن يشكل متنفسا هاما سيمكن الجماعات المحلية من تحسين مردودية الجبايات والضرائب المحلية وتعزيز مواردها الخاصة والتوفر بالتالي على إمكانيات تمويل هامة وعصرنة طرق التدبير المالي والتخفيف من وصاية الإدارة المركزية. كما يتوخى هذا الإصلاح تبسيط قواعد اوضع لوعاء الضريبي ومساطر وقواعد التحصيل وعددالضرائب والرسوم وكذا التنسيق بين الضرائب المحلية والوطنية من خلال حذف عدد من الرسوم التي تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة. وتعد التغييرات التي جاء بها الاصلاح الضريبي والذي يهم ضرائب ورسوم الجماعات المحلية والضرائب التي تشرف عليها الادارة العامة للضرائب لفائدة الجماعات تغييرات متعددة تتعلق بحذف بعض الرسوم ذات المردودية الضعيفة أو التي تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة وكذا دمج بعض الرسوم التي تمس نفس الوعاء. ضرورة اعتماد حكامة جيدة تفرض هذه الاصلاحات التي توخت تعزيز القدرات المالية للجماعات المحلية، سواء الحضرية أو القروية، على هذه الجماعات أن تضطلع بدورها كاملا فيإنجاز المهام المتعددة التي تدخل في نطاق اختصاصتها, ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية منها إلا أنه يتعين اعتماد التعديلات الضرورية والأجوبة الواضحة والمناسبة للإشكاليات التي مازالت تطبع تدبير الشأن المحلي بالمغرب بما في ذلك تلك المتعلقة بالكفاءات البشرية والحكامة الجيدة. وفي هذا السياق فقد تم التأكيد في أحد لقاءات «خميس الحكامة» الذي خصص لمناقشة إشكالية تمويل الجماعة المحلية والذي أداره الوالي المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية نور الدين بوطيب أنه ليست هناك مشاكل تربتط بتمويل المدن بل على العكس من ذلك فإن توقف تنفيذ المشاريع يتعلق باختلالات في الحكامة وبشفافية محاسباتية وبمهنية المتدخلين وبغياب نظام فعال للتحسيس والتوعية. وحسب بعض المعطيات التي تم الكشف عنها خلال هذا اللقاء فإن 30 في المائة فقط من الاعتمادات المتوفرة تم استغلالها من ما مجموعه 22 مليار درهم المخصصة للتنمية الحضرية والتنمية السوسيو-اقتصادية للقرب لفائدة43 مدينة و21 مركزا جهويا للاستثمار. وانطلاقا من هذه المعطيات فإن الانتخابات الجماعية ل12 يونيو المقبل ستشكل فرصة سانحة للمغاربة للمساهمة بشكل فعال في تجاوز هذه الاختلالات وذلك من خلال التوجه بكثافة لصناديق الاقتراع لانتخاب الكفاءات القادرة على تدبير شؤونهم المحلية بشكل أفضل والمساهمة في بلورة رؤية استراتيجية للفترة 2009 -2015 . (ومع)