إن المتأمل في عدد من الحملات والخرجات الإعلامية والتحركات المحمومة، التي تقوم بها بعض الجهات، في الفترة الأخيرة، يجدها وقد نصبت نفسها في موضع الخصومة، بل والعداوة، بشكل فاضح، للهوية والقيم والمرجعية الإسلامية، كما يجدها ندبت نفسها وكرست كل جهودها وتحركاتها من أجل اختراق البنية المجتمعية وإضعافها من الداخل، دون الخجل من الإعلان عن التنسيق مع الخارج، والاستقواء به، وطلب الحماية والمدد والعون والتمويل منه، إضافة إلى سعيها إلى ممارسة الضغوط على الدولة وابتزازها، سواء من قبل بعض الدول الأجنبية وسفاراتها، أو من قبل منظمات خارجية، أو حتى من قبل الكيان الصهيوني الغاصب رمز الإجرام والعنصرية . وإذا كان تحالف هذه الجهات مع الخارج، والاستقواء به، قد أصبح مكشوفا وواضحا ومعلنا، فإن مهمتها في الداخل، تتجلى بشكل واضح في التركيز على أربعة مداخل أساسية ، تتمثل في العمل على تكسير الإجماع المغربي حول المرجعية الإسلامية، والضغط من أجل تحييد الدولة في قضايا الأخلاق والقيم، والمطالبة بتغيير القوانين في اتجاه مزيد من التضييق على الحلال، وتجريم الرافضين والمناهضين للانحراف، وسنتناول فيما يلي هذه المداخل الأربعة بمزيد من التوضيح والبيان. 1. العمل على تكسير الإجماع المغربي حول المرجعية الإسلامية، وحول الثوابت الدينية، من خلال استدعاء النقاش حول التسامح الديني وحرية الاعتقاد، والتعددية الدينية، والحديث عن الأقليات، بشكل فج، من خلال التساؤل مثلا عن لماذا لا يقبل المغرب أن يكون عنده أقليات من المسيحيين، وأخرى من الشواذ ، وغير ذلك من أنواع الأقليات. فكأنه يتوجب على المغرب أن يبحث عن الأقليات الأخرى التي لا تشكل جزءا من نسيجه المجتمعي، أو يصطنعها، ليزرعها داخله ويوطنها، بل يتوجب عليه أيضا أن تكون من بينها الأقليات الشاذة، وكل ذلك من أجل أن ينال شهادة حسن السيرة والسلوك فيما يصطلحون على تسميته بالتسامح والتعايش. 2. الضغط من أجل تحييد الدولة، وتعطيل دورها في قضايا المرجعية والقيم، ودفعها نحو الاكتفاء بدور المتفرج، والمحايد السلبي الذي لا دور له، وبالتالي فهي دعوة إلى إفراغ الدولة من أحد أهم المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها، وإلى دفعها للتخلي عن أحد أهم واجباتها المركزية،وهي حماية الأسس والمقومات التي قامت عليها الدولة أساسا، والتي هي في الحالة المغربية الإسلام، والقيام بمهمة حفظ الملة والدين التي يجسدها نظام إمارة المؤمنين، فهل يعقل مثلا أن يطلب من الدولة أن تظل محايدة في قضية مثل الوحدة الترابية، وأن تترك الأمر بين أنصار الوحدة ودعاة الانفصال، وتبقى هي على الحياد، وتكتفي بأن تتفرج على الأوضاع، وتتابع عن بعد، وتنتظر ما ستؤول إليه النتيجة. إن قضية الدين الإسلامي والقيم، والوحدة الترابية، والوحدة المذهبية، وغيرها من الثوابت التي أجمع عليها المغاربة، وشكلت أساسا لتلاحمهم ووحدتهم، تعتبر قضايا مصيرية، لا يجوز أبدا للدولة أن تتخلى فيها عن القيام بواجبها، بل عليها دوما أن تكون حاضرة ومبادرة من أجل حماية الثوابت وصيانتها والدفاع عنها في إطار القانون. 3. الضغط من أجل تغيير القوانين في اتجاه مزيد من التضييق على الحلال، وخاصة في مجال الأسرة والزواج، وذلك من مثل المطالبة بالمنع الكلي والنهائي للتعدد في إطار الشرع، في مقابل عدم رؤية أي مانع من التعدد خارج إطار الشرع، من خلال الدعوة لتحرير العلاقات الجنسية، بل وعدم التحرج والخجل من الدعوة لتقنين الدعارة، ثم من خلال الدعوة للمنع التام للزواج قبل سن الثامنة عشر بما في ذلك حالات الاستثناء المعتبرة، و لا يرون مانعا من ممارسة الفتيان والفتيات للجنس دون زواج قبل هذه السن، بل ويشجعونهم على ذلك ويحرضونهم عليه، ويدفعونهم إليه دفعا،بأشكال مختلفة. 4. تجريم الرافضين والمناهضين للانحراف، وتسفيه آرائهم وممارسة الاستبداد والإرهاب الفكري عليهم، بل وعلى المجتمع بأكمله، والعمل على حرمانه من حقه في رفض الظواهر والأذواق السقيمة التي يراد فرضها عليه، وحرمانه من حقه في التعبير عن رأيه أو غضبه، وذلك باتهامه بالتخلف وعدم احترام أذواق الآخرين، وعدم التسامح معهم، ومن خلال شن الحروب الإعلامية، وتخويف الغيورين والشرفاء والفضلاء، والعمل على تشويه صورتهم ، والتحريض على أهل العلم والدعاة والخطباء والوعاظ، من أجل التضييق عليهم، وتكميم أفواههم، و ثنيهم عن القيام بواجبهم في البلاغ والبيان والدعوة والتذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن هذه الجبهات المفتوحة، فضلا عن الاستقواء بالخارج، تبين بالملموس أن القضية ليست مجرد ظواهر وموجات عابرة من الفساد الذي قد يوجد في جميع المجتمعات، والذي قد يطفو تارة ثم يخبو بفعل عناصر المعالجة الذاتية الموجودة بالمجتمع سواء من خلال الإنكار أو الوعظ والتذكير والإرشاد، بل إنها عملية إفساد منظم تقف وراءه جهات وترعاه مؤسسات ودول ويدخل في إطار غزو ثقافي وعملية تدافع طويلة ومستمرة ذات بعد حضاري. إننا أمام مشروع وراءه مخططات وأهداف مسطرة، وأيادي تحركه في الداخل والخارج، ولذا فإن مواجهته والتصدي له يستدعي، بالإضافة إلى الوعي بمداخل هذا الإفساد، تكاثف الجهود في إطار مقاربة متكاملة ومندمجة، يشارك فيها جميع الشرفاء والغيورين من الفاعلين في المجتمع وينخرط فيها كافة أحرار هذا الوطن كي نتمكن من رتق الخرق الذي يراد إحداثه في سفينة الإجماع المغربي.