استقطب موضوع مكافحة الفساد في القضاء المغربي وتخليقه أولوية مركزية في النقاش الجاري حول إصلاح القضاء، بما يمكن القول معه إنها تفوق في نظر المواطن الأولوية المرتبطة باستقلالية القضاء، حيث إن هذه الأخيرة تصبح بدون معنى.. نعرض هنا لنموذج من الإجراءات التي اقترحت من لدن كل من حزب العدالة والتنمية من جهة، وعشر جمعيات حقوقية، لكيفية معالجة هذا العطب في الجهاز القضائي. العدالة و التنمية: من أجل تعميق نزاهة القضاء يرى حزب العدالة والتنمية أن تفاقم حالة العجز المستحكم في القضاء المغربي تقتضي اعتبار الإصلاح الشامل للقضاء أولوية وطنية في الإصلاح لها الأسبقية على غيرها من الأولويات، كما تستلزم الانخراط في حوار وطني ينتج عنه توافق مختلف القوى الحية ببلادنا على تعبئة كافة القدرات والإمكانات اللازمة لإرساء نظام قضائي عادل ونزيه وفعال، يشكل قاطرة للنهوض المنشود ومدخلا للإصلاحات ببلادنا. وبحسب المذكرة في الشق الخاص بنزاهة القضاء، فإنه >يعرف بكل مكوناته اختلالات مشينة أدت إلى تراجع واضح في مستوى الثقة فيه وتلاشي هيبته في نفوس المتقاضين؛ وذلك على الرغم من حمل الحكومات المتعاقبة لشعار التخليق، ولهذا تنامت ثقافة الرشوة المتغذية من ضعف الشفافية في العمل القضائي، ومحدودية المراقبة والمحاسبة لظواهر الإرتشاء والمحسوبية واستغلال النفوذ سواء على مستوى القضاء أو المهن المساعدة( كتابة الضبط، الشرطة القضائية، المحاماة، خطة العدالة، التوثيق، الخبرة القضائية، الترجمة، ...)، وذلك في ظل غياب مدونة لأخلاقيات العمل القضائي كما جعل القضاء المغربي موسوما بضعف شديد في الحياد والتجرد وبتفاقم في تضارب المصالح. والواقع أن القضاء الذي كان ينبغي أن يقود مسعى بلادنا لمكافحة الفساد ومحاصرة تغول الرشوة أصبح يمثل مرتعا لانتعاش ذلك وسببا من أسباب تغديتها على مستوى المجتمع، فضلا عن أن تفشي الرشوة والفساد في الجسم القضائي أعاق قدرته على إقرار العدل وتحقيق الإنصاف، كما أن اللجوء إلى الرشوة والفساد أصبح سلوكا جاريا عند قطاع واسع من المتعاملين مع القضاء، وهو ما جعل انتشار الرشوة في الجسم القضائي يساهم في تدهور الترتيب العالمي للمغرب في مجال الرشوة كما أصدرته مؤسسة ترانسبارانسي الدولية، حيث تراجع من رتبة 37 من أصل 90 دولة في سنة 2000 ، إلى رتبة 80 من أصل 180 في تقرير سنة ,2008 وللعلم فإن هذا الانتشار المهول للرشوة في الإدارة والقضاء حولها إلى مكون بنيوي في الحياة الاقتصادية والإدارية مما يفقد المغرب ما لا يقل عن 2 في المائة من نسبة نمو ناتجه الداخلي الخام. إن الفساد في المجال القضائي ينجم عن عدة أسباب نجملها في: ـ ضعف مناهج التربية على النزاهة في برامج تكوين القضاة وأطر المهن القضائية المساعدة، مع غياب مدونة سلوك تضع قواعد الأخلاقيات القضائية وتحدد سبل الوقاية من تضارب المصالح أو الوقوع في استغلال النفوذ أو الإرتشاء. ـ عدم اشتراط بلوغ المترشح سنا يكتمل فيها نضجه وتتبلور خلاله شخصيته خاصة في ظل عدم توفر عناصر الاستقرار النفسي والأسري والمادي في الكثير من الأحيان بالنسبة للقضاة الجدد، بموازاة غياب مقاربة أخلاقية وتربوية نابعة في دراسة سيرة المترشح للالتحاق بالقضاء. ـ غياب الإعمال الفعال لمقتضيات قانون التصريح بالممتلكات. ـ ضعف منظومة الأجور في الجسم القضائي إلا استثناءا وقصور نظام التحفيز. ـ محدودية دور وإمكانات التفتيش القضائي في المراقبة الفعالة والمتابعة الدقيقة لمدى احترام مقتضيات النزاهة في العمل القضائي. ـ ضعف استقلالية القضاء. ـ صعوبة الحصول على المعلومة القضائية وقصور آليات ضمان الشفافية، مع تعقد المساطر المنظمة للعمل القضائي وطولها. ـ نزوع المتعاملين للجوء للرشوة والفساد للـتأثير على سير العدالة مع ضعف الضمانات الضرورية لسلامة المبلغين عن التجاوزات القضائية. ـ ضعف المؤسسات المدنية العاملة في مجال دعم نزاهة القضاء وقصور الإعلام عن الاضطلاع بوظيفة الرقابة المكثفة على العمل القضائي. ـ ضعف مجهودات تخليق الحياة العامة ثقافة وممارسة في المجالات الأخرى<. ويمكن إجمال المقترحات التي قدمت والكفيلة حسب المذكرة بتحقيق نزاهة القضاء فيما يلي : .1 وضع سياسة شاملة ومندمجة لتخليق مجالات الحياة العامة المختلفة لصعوبة تخليق القضاء كجزيرة معزولة وسط بيئة في حاجة ماسة للتخليق. .2 إصدار مدونة أخلاقيات القضاء .3 اعتماد الشرط الأخلاقي كأساس في قبول المرشح لولوج مهنة القضاء. .4 الرفع من سن الولوج لمهنة القضاء، وذلك باعتماد سن 35 سنة في حده الأدنى و 45 في حده الأقصى، ورفع سن التقاعد إلى 70 سنة مع إعطاء الحق في التقاعد المبكر في 65 سنة. .5 إقرار مادة أساسية في تكوين القضاة تسمى التربية القضائية يدرس فيها نماذج من التاريخ القضائي الإسلامي والإنساني، والتي تتجسد فيها قيم الاستقلال والنزاهة والفعالية. .6 تعزيز ثقافة حقوق الإنسان واعتبارها مادة ضرورية يتعين تكوين القضاة فيها وكل الفاعلين في القطاع ذوي الصلة بذلك. .7 تحسين الوضعية المادية والمعنوية للقضاة؛ ولا سيما قضاة الدرجة الثالثة والثانية؛ وكذا وضعية موظفي العدل. .8 تفعيل إجراءات تتبع وضعية ثروة القضاة وموظفي كتابة الضبط. .9 تدوين كل آراء الهيئة القضائية أثناء المداولة بما فيها رأي الأقلية للرجوع إليه عند الاقتضاء وذلك في محضر خاص. .10 تكثيف عمل المفتشية العامة لوزارة العدل، وتقوية إمكاناتها البشرية والمادية. .11 تكثيف مراقبة مساعدي القضاء بشكل دوري ومنظم، وتفعيل المساطر التأديبية ضد الاختلالات المهنية الصادرة عنهم. .12 إحداث خط أخضر لتلقي شكاوى الرشوة واستغلال النفوذ. .13 إلغاء المتابعة في حق المبلغين عن جرائم الرشوة. .14 إحداث المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، واعتماد الشفافية في تأسيسها وكيفية تسييرها مع دعمها ماديا ومعنويا. *** رؤية عشر جمعيات لنزاهة القضاء ومحاربة الرشوة التوصيات المتعلقة بالشفافية والوصول إلى المعلومة ومحاربة الرشوة: 1 ـ يجب إقامة علاقات شفافة وواضحة مع مساعدي القضاء على اختلاف مسؤولياتهم وأدوارهم. 2 ـ ضمان سير المحاكم بشكل شفاف 3 ـ ضرورة الحفظ المعلوماثي للوثائق و تسهيل الوصول إليها عن طريق بوابة إلكترونية. 4 ـ الوقاية من الرشوة و المعاقبة عليها، وذلك عبر: ـ تتبع التصريحات بالممتلكات من طرف خلية خاصة للتفتيش ـ سن قانون لحماية الشهود و المبلغين عن الفساد. ـ إشهار العقوبات التأديبية للقضاة والمحامين، وكتاب الضبط، وباقي مساعدي العدالة. ـ المتابعة الجنائية واسترداد الاموال المختلسة في حالة العقوبة التاديبية ـ الشفافية في إدارة باقي مرافق القضاء. ـ وضع نظام لمراقبة الأكام القضائية، وتعزي الشفافية عبر الصياغة السريعة للأحكام ونشرها. ـ وضع آليات موضوعية وشفافة لسير المرافق ذات الطبيعة القضائية ـ وضع الالتزامات التي قبلها المغرب بمصادقته على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الرشوة موضوع التنفيذ. ـ تأمين التطبيق السليم للتشريع الوطني في مجال مكافحة الرشوة.