ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد الريسوني: العلماء ليسوا ضباط احتياط... لقد سبق للحسن الثاني رحمه الله أن قال: العلماء لا يتقاعدون...


يتناول هذا الحوار ثلاثة جوانب مهمة، يتعلق الأول بالدواعي الموضوعية التي دفعت الدكتور الريسوني إلى الرجوع إلى الممكلة السعودية بعدما قررر العودة بصفة نهائية إلى المغرب، ويتعلق الجاني الثاني، بمسار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والتحول النوعي في أدائه ومنهجية اشتغاله والدور الحيوي الذي رسمه للعلماء في التأثير على السياة الدولية، أما الجاني الثالث، فقد خصص لجملة من مواقف الدكتور الريسوني من بعض القضايا التي يعرفها المشهد المغربي والدور الذي ينبغي للعماء أن يضطلعوا به، وفي هذا السياق، يعتبر الدكتور أحمد الريسوني أن الواجب على العلماء أن يشكلوا القادة الفكريين والثقافيين والسياسيين في أمتهم، وألا يظل دورهم محصورا فيما ابتاع ما يملى عليهم من تعلميات وتوجيهات، وإنما المطلوب منهم حسب الدكتور الريسوني أن يكونوا في قلب الحراك اليومي لحماية الأمن الأخلاقي والقيم، وأن يكون عملهم بشكل دائم وغير خاضع لاعتبارات الموسمية ومنطق الحملات. وبخصوص الموقف من التشيع، ميز الريسوني في استراتيجية مواجهته بين مجالين: مجال الدولة وهو الذي تطالب فيه بتطبيق القانون في حالة ما إذا ثبت وجود شبكات سرية لنشر التشيع تجتمع بشكل سري وترتبط مع هيئات أو منظمات أو دول أجنبية، ومجال الدعاة والعلماء، وهو مجال الحوار والتدافع المذهبي، ويذهب الريسوني أكثر من ذلك، ويرى أن مواجهة التشيع هو مسألة دعوة أكثر منها مسألة دولة، وأن على الدولة أن تضع المعطيات الخاصة بالتشيع رهن إشارة العلماء والدعاة، وأن تفسح لهم الطريق للتدافع المذهبي. ويحذر الريسوني في هذا الحوار من خطورة الانحلال والإباحية والعلمانية واللادينية، ويعتبرها أكثر تهديدا للأمن الروحي والقيم من مسألة التشيع، كما يستعرض في هذا الحوار مواقف أخرى من الشذوذ الجنسي والتنصير ومن الانتخابات الجماعية وموقف وزارة الداخلية، ومن جدوى المشاركة السياسية للإسلاميين ومردوديتها وخيار حركة التوحيد والإصلاح بخصوصها - بداية نرحب بالدكتور أحمد الريسوني في هذا الحوار، ونود من فضيلتكم أن توضحوا لنا دواعي العودة مرة أخرى للسعودية بعد أن كنتم قد قررتم الرجوع إلى المغرب بصفة نهائية؟ - كما هو معلوم كان من المفروض أن أرجع في هذا الوقت رجوعا نهائيا، بعد أن أنهيت القسم الذي كلفت به في موسوعة القواعد الفقهية والأصولية، وهو القسم الخاص بالمبادئ العامة والقواعد المقاصدية، وفعلا- تقريبا- أنهيت هذا القسم، ولم يبق منه إلا الشيء القليل، كنت أنوي كتابته من هنا وإرساله، لكن إدارة المشروع والمشرفين عليه ألحوا علي بالاستمرار في العمل إلى جانب بقية السادة الخبراء العاملين في المشروع، وطلب مني بصفة خاصة أن أقوم بعملية المراجعة والتنسيق بين مختلف الأقسام ومختلف الباحثين والمحررين الذين يكتبون، سواء من المتفرغين المقيمين في المشروع أو المستكتبين من مختلف الدول، و بعد إلحاح ومناقشات وبعد الاستشارة، ترجح أن أستمر في هذا العمل إلى نهايته، فلذلك أخذت الآن هذه الإجازة الاستثنائية للقيام ببعض الالتزامات وتفقد الإخوة والعائلة، وهو نوع من الاستراحة أيضا، ثم أعود إن شاء الله لمواصلة العمل في هذا المشروع. - كانت لديكم أيضا أنشطة متعددة ضمن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، خاصة المشاركة ضمن الوفد الذي زار عدة بلدان والتقى بقادتها، هل هذا توجه جديد في عمل الاتحاد؟ - الاتحاد العالمي الذي يرأسه العلامة الشيخ القرضاوي له طموحات وتطلعات كثيرة لم يتمكن بعد من البدء فيها أو الانطلاق فيها، ومنها التدخل في القضايا الإسلامية والتدخل لفائدة الشعوب الإسلامية والتدخل لفائدة المصالحات الإسلامية... في هذا السياق جاءت مبادرة رئيس الاتحاد للدعوة إلى تشكيل وفد لزيارة رؤساء العديد من الدول العربية والإسلامية التي لها أكثر من صلة بالقضية التي شُكل من أجلها الوفد، وهي قضية الحرب العدوانية الهمجية التي أقدم عليها العدو الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني في غزة، والتي استمرت كما نعرف أكثر من ثلاثة أسابيع على مرأى ومسمع من العالم، فكانت هذه المبادرة السريعة لتحريك المسؤولين وتحميلهم مسؤولياتهم ودعوتهم إلى القيام بما يستطيعون، وكنا نعتقد طبعا - ومازلنا- أنهم يستطيعون عمل الشيء الكثير، ولكن لا شك هناك تقاعس كبير اعترف به بعض من هؤلاء الذين زرناهم، فكان الهدف العاجل هو إيقاف العدوان والحصار في آن واحد، لأننا كما يرى ويعلم العالم كله، أن الحرب هي قتل سريع والحصار هو قتل بطيء، ونحن كنا نسعى للحد الأدنى العاجل وهو وقف القتل السريع والبطيء ضد الشعب الفلسطيني، فزرنا عددا من الدول، واعتذر الرئيس المصري عن استقبالنا. زرنا أربعة من الرؤساء والملوك العرب بالإضافة إلى الرئيس التركي، وكانت الزيارة بدون شك مثمرة ، تحاورنا وحملنا الرؤساء مسؤولية ما نراه وناشدناهم وحثثناهم وسمعنا ما عندهم، وتركنا المسؤولية بين أيديهم، هذه هي مهمة هذا الوفد الذي قام بهذه الجولة إبان الحرب على غزة. - عمل الإتحاد على مستوى هذا الاتجاه، هل هو رسالة إلى العلماء حتى يقوموا بدورهم في المساهمة في حل مثل هذه المشكلات؟ - كما ذكرت، هذه الخطوة و أمثالها وأكثر منها واردة في تطلعات الاتحاد ورسالته وأهدافه التي سطرها و التي يقررها في مؤسساته، ولكن طبعا الاتحاد في بدايته يبني نفسه ويبحث عن إمكانياته، ويفتح عددا من الجبهات والملفات، فمثل هذه الخطوة كانت واردة ومستحضرة، وهي مما نعزم عليه وعلى أمثاله، فجاءت هذه المناسبة، وهذه الحالة المستعجلة فكانت هذه الخطوة ، وإن كان قد سبقتها خطوات أخرى في قضية دارفور، وبعدها محاولة التوسط في قضية الصومال. طبعا هذه كلها بدايات متواضعة، والذي يتطلع له الإتحاد هو بدون شك أكبر من هذا ، وهو أن يكون له دور إيجابي في المصالحات وتخفيف المعاناة والمحن والمظالم عن الشعوب الإسلامية ، وربما تمتد مبادراته فيما بعد حتى إلى عموم الشعوب، فالعلماء قادة الدعوة والفقه والاجتهاد في العالم الإسلامي ، لكنهم في نفس الوقت قادة فكريون وثقافيون وسياسيون في أمتهم. فإذن تفعيل هذا الدور بشكل أفضل ومؤسساتي هو الذي ترمز إليه هذه الخطوة التي نرجو أن تتبعها خطوات من جنسها أو أكثر منها. - وجهتم مؤخرا استفتاء للسادة العلماء خصوصا بعد إصدار المحكمة الجنائية قرارها القاضي باعتقال عدد من المسئولين على رأسهم عمر حسن البشير، ما هو المقصد من وراء هذا الاستفتاء؟ - يعرف الجميع الخطوة المتهورة المغرورة التي أقدم عليها من يوصف بأنه المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية ثم مجموعة من قضاة هذه المحكمة، بإصدار قرارات بمتابعة ومحاكمة واعتقال مسؤولين سودانيين على رأسهم رئيس الدولة، وقبل ذلك تشكيل محكمة جنائية أخرى لمحاكمة المتهمين في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري رحمه الله، ومعنى هذا أن هذه أداة جديدة وخطوات جريئة في سلب المسلمين والدول الإسلامية والمواطنين المسلمين سيادتهم ومرجعيتهم واستقلاليتهم، فهذا أمر كبير وتطور خطير لابد للعلماء أن يقولوا كلمتهم فيه، وأن يقولوا كلمتهم في شأن المسلمين المستهدفين حكاما ومحكومين بمثل هذه التدابير، وبمثل هذه الخطوات، المسلمون أصحاب الشريعة المنزلة، أصحاب التراث الفقهي والقضائي الذي لا مثيل له في التاريخ، يصبحون بلا قضاء ولا قانون حتى يأتي من هب ودب ليصدر قرارات بإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم!! ، فعلا هذا أمر مستفز. عندنا مجامع فقهية في عدد من الأقطار الإسلامية العربية وغير العربية والدول الغربية في أمريكا وأوروبا ، فإذا لم تخض هذه المجامع الفقهية في مثل هذه الأمور فمعناه أن لها دورا شكليا ثانويا، لذلك أردت أن أثير انتباه السادة العلماء وأناشد مسؤوليتهم وأمانتهم العلمية ليخوضوا في أمثال هذه القضية وغيرها من القضايا التي تتجه إلى مصادرة السيادة الإسلامية ، ومرجعية الشريعة الإسلامية واستقلالية الشعوب والدول الإسلامية ، فعلى كل حال، هذه الرسالة أو هذا الاستفتاء وجهته إلى الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، وإلى الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي، ووجهته إلى بعض العلماء بأعيانهم وأفرادهم. ومثل هذا سأفعله إن شاء الله كلما كانت هناك قضايا مصيرية، وقضايا من هذا الحجم ومن هذا النوع، إذا لم تقع المبادرة إلى تناولها والإفتاء فيها. وقد توصلت مؤخرا وأنا بالمغرب برسالة جوابية من السيد الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، يرحب فيها برسالتي ويؤكد أهمية المسألة، وأنه سيعمل على إدراجها ضمن القضايا الفقهية المعروضة على المجمع. المهم عندي أن هناك قضايا جديدة وكبيرة وخطيرة ولها انعكاسات على الأمة وسيادتها و مرجعيتها ، فمثل هذه الأمور لا يجوز لأي مجمع فقهي أو فقيه مجتهد له مكانة أن يسكت عنها . الإفتاء الفقهي الإسلامي يجب أن يصدر حكمه على مجلس الأمن وعلى المحكمة الدولية وعلى الأمم المتحدة وعلى اليونسكو وغيرها ، لأن الشريعة فوق الجميع والذين يحملون الشريعة ويحكمون بمقتضاها فوق الجميع ، على الأقل من الناحية العلمية والاعتبارية. - كيف نظرتم إلى الإجراء الدبلوماسي الذي قضى بقطع العلاقات مع إيران ؟ هذه القضية متعددة الجوانب: فأولا: من الناحية السياسية الدبلوماسية الصرفة، فعلا هذا القرار المغربي كان مفاجئا. عادة الوصول إلى قطع العلاقات وإغلاق السفارات يأتي في مرحلة متأخرة بعد إنذارات وبعد استدعاء للسفير، وبعد الاحتجاج، وبعد محاولات لحل المشاكل المتبادلة... لكن، في حالة المغرب، لم نسمع أي خطوات سابقة إلى أن فوجئنا بإنهاء العلاقة وإغلاق السفارات بالمرة، فمن الناحية السياسة لا يبدو أن القرار يتسم بما ينبغي من الاتزان والتريث و التدرج في معالجة القضايا. أما بخصوص قضية التشيع، فإذا ثبت للسطات المغربية أن للسفارة الإيرانية علاقة بها أوتدخل فيها، فيمكن أن توجه إنذارات وخطوات، وإذا استمر المشكل نعم يمكن أن يصل إلى هذا الحد. في اعتقادي الشخصي، التشيع حتى لو كان للسفارة الإيرانية أثر ودور فيه، فهناك من لهم دور أكبر، فهناك الحوزات والمرجعيات الشيعية في العراق وفي لبنان وفي سوريا، وحتى في أروبا، المغاربة يتلقون التشيع، فأوربا هي أول مصدر لتلقي التشيع ، والمغاربة الذين تشيعوا في أروبا هم أضعاف الذين تشيعوا داخل البلد، فالمغاربة يأتون و يرجعون إلى أروبا ويقيمون فيها، طلبة وعمالا، ولأسباب متعددة، السؤال الذي يطرح، هو كيف نعالج القضية؟ وهل بإغلاق السفارة نستطيع أن نغير في الواقع شيئا؟ وأنا أعتقد أن مواجهة التشييع، قبل أن تكون مسؤولية الدولة والسياسة هي مسؤولية العلماء والدعاة، هي مسألة دعوة أكثر مما هي مسألة دولة. هي مسؤوليتنا نحن، وعلى الدولة أن تضع أمامنا المعطيات كما هي وتترك التدافع المذهبي والعلمي والفكري يشتغل ويؤدي دوره. - ظهرت في الآونة الأخيرة مبادرات متعددة للدولة بهدف حماية الأمن الروحي للمغاربة إلا أن بعض هيئات المجتمع المدني كان لها رأي على مستوى الإجراءات، من جانبك دكتور كيف رأيت هذه المبادرات؟ - أنا لا أريد أن أشكك في النيات، فالنيات تصدقها أو تكذبها الوقائع عبر الزمن، وأنا اعتبر أن تحرك نخوة وزارة الداخلية وغيرها من الجهات المسؤولة لتحصين الأمن الروحي والتماسك الخلقي والوحدة المذهبية أمرا جيدا، وكما يقال: الوصول المتأخر خير من عدم الوصول، أو التأخر في الوصول خير من عدم الوصول. لكن كما قرأت وكما ذكرت في تعليقات سابقة:حماية الأمن الروحي للمغرب والوحدة المذهبية ينبغي أن يكون هذا شاملا ، وطبعا أكبر شيء يهدد الأمن الروحي والوحدة الدينية والمذهبية هو الإلحاد واللادينية، وهو واقع يتجاوز التنصير ويتجاوز التشيع، لأننا على كل حال نلتقي مع النصارى في الإيمان بالله واليوم الآخر، ونحن معا نؤمن بموسى وعيسى عليهما السلام، وغيرهم من الأنبياء، ونؤمن بعدد من القيم الأخلاقية، وبعبادة الله من حيث المبدأ، لكن الملحدين اللادينيين لا نلتقي معهم في أي شيء إلا في الجانب الحيواني الدنيوي المادي، فحتى الهوية الإسلامية للمغرب وللدولة المغربية يريدون حذفها ومحوها، وهم يسعون إلى إباحة ما حرمه الله. وإذا كان للشيعة حوزات مذهبية بإيران ولبنان والعراق، يأخذون إليها بعض شبابنا لشحنهم بالثقافة الشيعية وسلخهم عن سنيتهم المغربية، فإن للعلمانية واللادينية حوزات كثيرة داخل بلدنا وخارجه، تجتذب أبناءنا وتفعل في عقولهم وحياتهم ما تشاء بلا رقيب ولا حسيب!! لكن من جهة أخرى أنا أرى - في هذا العصر بالخصوص- أن التيارات الفكرية والعقدية بما فيها الإلحاد والتنصير والتشييع، لا تحارَب بالإجراءات الأمنية من منع وقمع ومحاكمة وما إلى ذلك ، بل تواجَه بمثلها ومن جنسها. علينا أن نُفَعِّل الدعوة والثقافة الإسلامية والنشاط الإسلامي، وألا يعاق الدعاة والعلماء في التصدي لمثل هذه القضايا وممارسة أنشطتهم في الأحياء والقرى والمؤسسات، وهذا هو العلاج لكي يحصنوا ولكي يخرجوا شبابنا وأبناءنا من حالة الهشاشة والقابلية للسقوط والتعثر. الذي على الدولة أن تقوم به هو تطبيق القانون ، لأنه إذا فرضنا أن بعض الشيعة أقاموا تنظيمات تابعة للخارج، أو موالية لجهات خارجية هنا تأتي الدولة، إذ فرضنا أن شيعة أو متنصرين يتجسسون لفائدة دول أو منظمات معينة، هنا يأتي دور الدولة، إذا فرضنا أن دعاة التشيع أو التنصير يقومون بأعمال سرية أو اجتماعات وشبكات سرية، هنا تأتي مسؤولية الدولة، فهذا الذي نريد من الدولة أن تواجهه، فلا يتم استيراد أمور أو تهريبها بصفة غير قانونية، ولا توزيعها بصفة غير قانونية، لا يسمح بالتعامل مع القاصرين والجائعين واستغلالهم، ولا يسمح باختطاف الأطفال والرضع من أمهاتهم وقراهم لكي يؤخذوا إلى الكنائس والمراكز التبشيرية، هذه هي الأمور التي تحكم بالقانون وهي واجب الدولة. أما من يأتي ليحاورنا أو يحاور الناس في القرية أو في الحي أو في الجامعة... ويدعونا إلى الإنجيل وإلى النصرانية أو غيرها، فهذا واجبنا نحن، واجب الإمام والخطيب، واجب الدعاة والمثقفين والمجتمع عموما... ـ كيف نظرتم إلى النقاش الوطني الذي تفجر عقب ظهور منسق حركة الشواذ بالمغرب على الصحف الوطنية، وما واكبه من إجراءات لوزارة الداخلية الهادفة لحماية الأمن الروحي للمغاربة؟ -لا أريد أن تغطي بعض الأمور الصغيرة على ما هو أكبر، فالشذوذ الجنسي في جميع الأحوال هو أقل بكثير من الدعارة والبغاء والزنا والخمر والمخدرات، مع العلم أن هذه كلها أمور يجرمها القانون المغربي وليس فقط الشريعة الإسلامية، ثم بعد ذلك يأتي الشذوذ الجنسي وهو في جميع الأحيان أقل انتشارا و أقل ضررا ، فيجب أن نتصدى لكل هذه الانحرافات، هذه كلها محرمات وفواحش تهدد وتدمر، ويجب التصدي لها قانونيا وإعلاميا ودعويا، لكي نقوي حصانة المغرب ومناعة المجتمع المغربي ، وتختفي هذه الصورة السيئة الرائجة عن المغرب في العالم و في الدول العربية والإفريقية، والقانون المغربي فيه ما يكفي لإعادة الأمور إلى نصابها لو طبق بجد. بهذه المناسبة ندعو الدولة إلى أن تكف عن التطبيق الانتقائي والتطبيق الموسمي للقانون. الشعب كله معها في التطبيق الكامل والدائم للقانون، وهؤلاء الذين يرفعون أصواتهم ضد تطبيق القانون أولا هم شواذ بمعنى قلة، وهم أيضا شواذ في أفكارهم وخروجهم عن الجماعة. فالمجتمع والعلماء والأسر المغربية مع تطبيق القانون. وهذا هو كل ما نطلبه من الدولة. - تفاعلا مع هذا النقاش أجرى موقع الإصلاح استطلاعا للرأي حول التهديدات الأكثر خطورة على الأمن الروحي للمغاربة، فكانت الرتبة الأولى للإباحية والانحلال ثم التنصير ثم المد الشيعي، حسب رأيكم هل هذا الترتب مُعبر؟ - أنا لم أطلع على نتائج هذا الاستطلاع الذي قمتم به، لكن كنت أرى السؤال قبل مجيئي، وكان جوابي دائما هو هذا بالضبط، وأنا لا أقول أن الانحلال والإباحية والتفسخ الاجتماعي والخلقي هو رقم واحد فحسب، بل هو رقم واحد بأضعاف مضاعفة عن التنصير وعن التشيع، فإذا فرضنا أن التشيع يهدد بنسبة مئوية معينة، فأضعافه المضاعفة تأتي من الإباحية والانحلال الذي تنتجه وتغذيه سياسات متتابعة للحكومات المغربية، ويشجعه ويقويه التطبيق الموسمي والانتقائي للقوانين. فالشرطة مثلا تعرف الآن أنها جاءتها تعليمات ما ضد الشواذ ونشاطاتهم الدعائية ...، لكن الحقيقة أن هذا لا يحتاج إلى تعليمات مناسباتية ما دام عندنا قانون يفترض أن تشتغل به الشرطة على الدوام، فهذا النهج يفضح الخطأ والخلل... أي أنه حينما تكون هناك حملة مثلا ضد حوادث السير وضد مخالفة قانون السير، معنى ذلك أننا نُنوم - أو نُرَقد - القوانين عدة سنين، ثم فجأة لسبب أو لآخر، لحاجة أو لأخرى تظهر هذه القوانين، وتتحرك التعليمات والحملات لتفعيلها. القانون وجد ليطبق ليل نهار، في الحواضر والبوادي والمدارس والنوادي، على الصغير والكبير، لكن نحن عندنا مشكلة كبيرة وخطيرة، وهي التطبيق الموسمي والمناسباتي للقوانين ، واستعمالها كأداة في وقت من الأوقات ضد هؤلاء أو ضد هؤلاء، القانون إذا أصبح ينفذ بهذه الكيفية فقد هيبته واحترامه. - يلاحظ بعض المتابعين أن مبادرات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الهادفة إلى حماية الأمن الروحي تتسم بالضعف والمحدودية مع أن الأمر له علاقة كبيرة بمهام الوزارة. - هذا أيضا يدخل في نظري في الخلل الذي ذكرته، وهو التحريك الموسمي لبعض المؤسسات، ولبعض القوانين والأهداف، فهناك عدد من العلماء والوعاظ، الذين يشتغلون في وزارة الأوقاف يعتبرون - حسب سياسة الوزارة - أن عددا من القضايا لا ينبغي لهم التحدث فيها إلا إذا جاءتهم توجيهات وتعليمات في الموضوع، هؤلاء مثل الشرطة القضائية التي لا تتصدى للشواذ ولا للبغاء ولا للخمور إلا إذا أعلنت الحكومة أن هناك حملة... ثم ينتظرون هذه الحملة كم ستستمر، أسبوعين أو شهرين، أو كذا... ثم يعود القانون أو الحكم الشرعي إلى النوم أو التنويم. المفروض أن العلماء أمناء على هذا الدين وقيمه وأحكامه دوما وأبدا، فليعالجوا التنصير والتشيع وسائر المشاكل والقضايا كلما بدا لهم حاجة إلى ذلك، لماذا ننتظر: إذا تحركت الداخلية تحركت الأوقاف، ثم المجلس العلمي، ثم الخطيب، وإلا نام الجميع أو دخلوا في إجازة طويلة الأمد. العلماء ليسوا ضباط احتياط. لقد سبق للحسن الثاني رحمه الله أن قال: العلماء لا يتقاعدون... - بلادنا مقبلة على الانتخابات ، وقد فهم بعض المراقبين من تصريحات وزري الداخلية حول توقعاته لنتائج الانتخابات الجماعية أن صناع القرار السياسي يبعثون رسائل مفادها أليس هناك جديدا وأن الضبط والتحكم لا زال هو السائد، ألا يثير هذا تخوف الفاعلين السياسيين؟ - نحن لم ندخل بعد في مرحلة النزاهة والشفافية والعدالة والمساواة والحيادية حتى نخاف أو نتخوف. فالأمور على ما عهدناها عليه، كل ما هناك تغييرات شكلية ومحدودة، وخطوات محتشمة وجلة... فليس هناك داع للتخوفات، لأن ما تتخوفون منه نحن فيه ومقيمون عليه. وبصفة عامة، أقول ما زالت وزارة الداخلية تتعامل مع الانتخابات على أساس أنها شيء يجب ضبطه وهندسته والتحكم فيه، وحساب نتائجه، وتوجيه مساراته، وهذه ليست ديمقراطية وليست انتخابات، وزارة الداخلية كما يقع في أي بلد ديمقراطي فيه حرية وديمقراطية، يجب أن تتخلى عن فكرة التنبؤ بالنتائج والتحكم فيها وضبط الموازنات والاحتمالات، هذا ليس شغلها وإنما هو شغل الشعب وشغل الناخبين، نعم هناك قوانين ودستور وثوابت، هذه يحترمها الجميع، ويلزم بها الجميع، لكن أن نفكر في أنه حذار أن يكون الحزب الفلاني هو الأول، حذار أن يكون هناك اكتساح، الشخص الفلاني لا بد أن يكون والآخر لا بد أن يزول ... فهذا غير معقول، ولكنه هو الجاري به العمل حتى إشعار آخر. -هل يفهم من هذا التحليل أن مكاسب مشاركة الإسلاميين لن تظهر في ظل هذه الوضعية؟ - قبل أسابيع وجه لي سؤال في إحدى القنوات الفضائية شبيه بهذا، مفاده هل هناك فشل في المشاركة السياسية والمشاركات الانتخابية للإسلاميين، قلت نعم لأن التجربة برمتها فاشلة، ولا يمكن أن ينجح الإسلاميون في شيء هو برمته ما زال حريصا على الفشل ومتمسكا بأسبابه، فهذا صحيح، لكن الذي أراه، وهو الذي اعتمدناه في حركة التوحيد والإصلاح، أنه مهما تكن الصعوبات وقلة المردودية وضعف المنجزات، فمبدأ أن نكون حاضرين ومشاركين وناصحين قدر المستطاع وبقدر ما يتاح، هذا مبدأ مسلم ولا رجوع فيه، وفي هذا السياق أستحضر قوله تعالى عن الرسل والأنبياء جميعا: إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، فنحن ندخل الأسواق العامة ونمشي فيها اتباعا للأنبياء، ولسنا نأخذ بالشعار العامي الذي يقول: ادخل سوق راسك ، ولكن ما مقدار ما يتحقق من الفائدة؟ ومتى؟ الله أعلم به. فإذاً وجود الفشل والتعثر والتأخر، كل هذا ممكن، ولكنه في تحليلنا ومرجعيتنا ليس بمانع ولا يعفي ولا يسمح لنا بأن نغادر الساحة والسوق. - لقد حضرتم في الندوة التي نظمها مجلس الشورى للحركة في موضوع المغرب وتدافع الهوية والقيم، فما هو تقييمكم لهذه الندوة، ثم ما هو تقييمكم ونظرتكم لاعتماد مثل هذه الندوات الداخلية في إطار مجلس الشورى وعدم حصر المجلس في مناقشة الأمور التنظيمية؟ - نعم حضرت - بصفتي عضوا في مجلس الشورى للحركة - الندوة التي نظمتها منسقية المجلس في موضوع الهوية والقيم بالمغرب. وهذه هي الندوة الثالثة من نوعها، ولكني حضرتها للمرة الأولى بسـبب غيابي عن المغرب خلال انعقاد الندوتين الأولى والثانية. وكنت قد شاركت في الندوة الثانية بعرض دون أن أحضر. وقد سررت بهذه السنة الحميدة التي سار عليها المجلس، حيث يتاح لأعضائه تعميق النظر والحوار والتشاور في قضايا مهمة لا يتسع وقت الانعقاد الرسمي التقريري للمجلس لمناقشتها بما يلزم من توسع وهدوء. وبهذا فإن مؤسسات حركة التوحيد والإصلاح تضيف إلى ممارستها للشورى التقريرية ممارسة نوع آخر من الشورى، وهو الشورى التنويرية أو الشورى التحضيرية. وهذا فضلا عن الشورى الفردية وغير المؤسسة، التي لا بد منها في حياتنا وممارستنا اليومية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.