يقدم التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية دراسة وصفية تحليلة لواقع الثقافة في دول العالم العربي مقارنا بين هذه الدول في خمسة مقومات للتنمية الثقافية هي التعليم والإعلام (بتجلياته المقروءة والمرئية والرقمية) وحركة التأليف والنشر والإبداع (بتجلياته في الأدب والسينما والمسرح والموسيقى والغناء)، في اقتصار على عناصر تمثل البنية الأساسية التي لا غنى عنها لأية تنمية ثقافية منشودة. وهذا التقرير هو أول عمل من نوعه في الوطن العربي -صدر عن مؤسسة الفكر العربي في لبنان في نوفمبر 2008 في 752 صفحة- يرسم صورة ليست متشائمة لكنها غير متفائلة أيضا للمغرب والعالم العربي. ويلاحظ التقرير أن هذه المقومات الخمسة تفتقر في عالمنا العربي اليوم إلى الانسجام والتناغم. فالتعليم والإعلام وحركة النشر والإبداع والعمل الثقافي الأهلي.. كلها أنساق تمضي حاليا في العالم العربي على سرعات متفاوتة، وقد تتبنى أحيانا رؤى وخطابات مختلفة.. وهو واقع جدير بإعادة النظر لأن هذه المقومات تمثل في نهاية المطاف منظومة واحدة، مشيرا إلى أن سؤال التوفيق بين قيم العصر وهوية الأمة سؤال قديم حديث يساهم ضمن متطلبات أخرى في تقديم رؤية عربية في مواجهة حركة العولمة. الإعلام ركز التقرير على الإعلام باعتباره أحد مؤشرات الحراك الثقافي ووعاء لنشر الثقافة ونشر الإبداع وعكس القيم الثقافية بالمجتمع. ورغم أن المغرب من البلدان العربية التي ظهرت فيها صحيفة مبكرة في سنة 1889 تحت اسم المغرب، فإنه من الدول التي يقل فيها نصيب الفرد من نسخ الصحف اليومية ، حيث يبلغ عدد النسخ من الصحف اليومية لكل ألف شخص 15 صحيفة (إحصاء 2003) فقط، في وقت لا توزع هذه الصحف إلا نحو 453 ألف نسخة على أكثر من 30 مليون مغربي، وذلك لضعف بنية المؤسسات الصحفية التي لا تستطيع استيعاب عدد أكبر من الصحفيين ولسيطرة الأحزاب السياسية عليها. كما أن المغرب من الدول الأقل نموا على مستوى الصحف المتخصصة حيث يبلغ نصيب الفرد المغربي من هذه الصحف خُمس صحيفة فقط، مشيرا إلى غلبة الصحف النسائية والشبابية والرياضية على هذا الصنف من الإعلام المهم. ويلاحظ أن الصحف المستقلة تسحب البساط من تحت أقدام الصحف الرسمية والحزبية بتحقيقها أرقام توزيع منافسة، وأن الصحف الناطقة بالفرنسية ترتفع معدلات توزيعها على الناطقة بالعربية. وفيما يتعلق بالإعلام الفضائي، يوضح أن المغرب عرف أول بث تلفزيوني سنة 1962 بطبيعة تجارية وكرمز معبر عن الاستقلال وللسيطرة على الرأي العام، وتطور هذا الإعلام أيضا في إطار التحفظ على إقرار مبدأ التعددية في الفضائيات. ورغم أن هناك 153 جهاز تلفاز لكل ألف مغربي (إحصاء 2001) فإن المغرب من الدول التي يقل فيها نصيب الفرد من هذه الأجهزة، بمعدل نمو بلغ 1,07% بين عامي 1992 و.2001 كما أن نصيب كل مليون مغربي من القنوات الفضائية في المغرب لا يتجاوز 0,3 قناة. ويصنف التقرير المغرب في فئة الدول الأقل نموا في عدد الهاتف الثابت حيث يوفر 44 خطا هاتفا لكل ألف مواطن، في حين توفر تونس مثلا 212 خطا هاتفيا ثابتا لكل ألف تونسي (إحصاء 2004). إلا أنه من الدول المتوسطة النمو بما يتعلق بنمو عدد الهواتف النقالة بين مواطنيه بنحو 313 خطا هاتفيا نقالا بنسبة تتجاوز 50% (إحصاء 2003). كما يعتبر المغرب من الدول المغاربية التي وفرت خدمة الاتصال بالإنترنت في السنوات الأولى حيث كان لديه 1903 أجهزة لتوفير هذه الخدمة عام 2000 بنسبة زيادة بلغت 86,4%، في مقابل ليبيا التي لم تتوفر فيها هذه الخدمة حتى منتصف .1997 ويصنف المغرب أيضا من الدول المتوسطة نمو استخدام الإنترنت بالنظر إلى عدد السكان بنسبة 15,1% (إحصاء 2007)، في حين كانت في الجزائر (5,5%) وتونس (9,2%) مثلا من الدول الأقل نموا في استخدام الإنترنت. لكن المغرب من الدول المرتفعة الزيادة في استخدام الإنترنت بنسبة 4500%. ورغم ذلك يصنف بين الدول الأقل وجودا على الإنترنت بأكثر من 9 ملايين صفحة عبر غوغل وأكثر من 14 مليون صفحة متاحة عن المغرب عبر ياهو، إلا أنه من البلدان التي لا تمارس أي رقابة على محتوى ما ينشر على الإنترنت، كما أنه من الدول الأكثر نموا بشأن عدد المواقع المسجلة باسمه بـ10 آلاف موقع. لكن التقرير لم يسجل أي إذاعة إلكترونية مغربية على الإنترنت بمقابل وجود إذاعات لتونسوالجزائر. التأليف والنشر أكد التقرير العربي الأول أن التنمية تقوم في بعدها الحقيقي على القراءة والمعرفة العميقتين وأن هناك غيابا لسياسة ثقافية تعزز القراءة وتشجع عليها بكل الأشكال والمناسبات، مشيرا إلى أن نسبة الأمية بين المغاربة تبلغ 47,35%، وبينما تتجاوز لدى النساء 60%، تتعدى لدى الرجال 34% من مجموع السكان. وأوضح أن مجموع ما أنتجه المغرب في عام 2007 من الكتب بالعربية والفرنسية هو 835 كتابا بما يعني أن كل 38323 فردا من السكان أنتجوا أو أصابهم عنوان جديد، نحو 52,7% في الآداب والبلاغة بـ440 كتابا، في حين لم تتجاوز نسبة ما كتب في العلوم النظرية والتطبيقية 2,1% أي 17 كتابا وهو رقم قليل جدا ولا يتلاءم مع مكانة المغرب الثقافية، مشيرا إلى ضعف تعزيز مكانة اللغة العربية وضعف الترجمة والمشاكل التي يعاني منها المؤلف والناشر والقارئ تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها مؤسساتيا وفرديا وحكوميا وقطاعا خاصا. الإبداع العام 2007 حسب التقرير عام الإبداع الشعري بجميع أنواع والإبداع السردي الروائي مع ضمور القصة القصيرة، حيث أصبحت الدارالبيضاء والرباط من المدن العربية التي تتقاسم الإبداع والثقافية في العالم العربي وتكسر المركزية القديمة. ورصد التقرير تميز عدد من المغاربة بين الروائيين العرب منهم الميلودي شغموم المرأة والصبي عن دار الأمان بالرباط، وسالم حميش هذا الأندلستي دار الآداب ببيروت، والطاهر بن جلون أن ترحل المركز العربي بالدارالبيضاء، وفي الشعر يرصد محمد بنيس عن دوانه هناك تبقى وعبد الإله الصالحي كلما لمست شيئا كسرته حسن نجمي على انفراد عائشة البصري ليلة سريعة العطب. ويشير إلى روائيين عرب كتبوا بلغة أجنبية بينهم المغاربة ليلى لالامي عن روايتها الإنجليزية الأمل. فيما يتعلق بالسينما المغربية يعتبرها شابة نسبيا بالمقارنة بالمصرية والسورية حيث لم تبدأ إلا في عام 1968 بالفيلمين الروائيين الطويلين الحياة كفاح وعندما يثمر النخيل. وأن إيقاع إنتاجها لم يتسارعن إلا في السنوا الأخيرة بعد الدعم الحكومي الذي ارتفع من 30 إلى 100 مليون درهم فارتفع العدد إلى نحو 10 أفلام في السنة. وميز بين خمس مراحل مرت بها السينما المغربية، الأولى تميزت بتقديم الصورة النمطية الفولكلورية التي تسيء إلى الشخصية المغربية، الثانية حاولت تصحيح تلك الصورة الخاطئة، الثالثة تنازعها تيارات الأول تبنى النموذج المصري والثاني تبنى النموذج الإيطالي بقيادة سهيل بن بركة. أما المرحلة الثالثة تميزت ببادية الدعم الحكومي للسينما، الرابعة بدأت الأفلام تتعرض للمحرمات الثلاثة وقضايا المرأة. وفي التسعينيات بدأت السينما المغربية بالحضور بالمهرجانات الدولية. لكن التقرير يوضح أن السينما المغربية لم تنهض بفعل دعم الدولة وإنما بفعل استقطاب السينما الهوليودية وغيرها من شركات الإنتاج السينمائي الكبري، حيث تم تصوير أكثر 200 فليم أجنبي. وفي النشاط المسرحي يسجل التقرير غناء المغرب بعدد من الممثلين والكتاب والمخرجين تركوا أثرا على الحركة المسرحية العربية، ومعددا المهرجانات الإقليمية المحلية والدولية التي سامت في إغناء هذا الفن. ورغم ذلك يلاحظ أنه لا يزال متعثرا وبدأت تظهر تغيرات على الخطاب المسرحي واتجاهات جديدة كالمسرح النسوي والمسرح الراقص والغنائي، مع تراجع الكوميدي لصالح التراجيديا والتهافت على الاتجاه التجريبي دون وعي بالمعنى العميق لمصطلح التجريب. وبشأن الموسيقى والغناء شهد عام 2007 إنتاجا غزيرا لهما في العالم العربي وإن ظهرت بعض الظواهر الجديدة في هذه الساحة مثل الراب، وكثرة المهرجانات لدرجة أصبحت فيها توازي دولا أوروبية لها باع طويل في تنظيم المهرجانات! إضافة إلى ضعف إنتاج الكتب الموسيقية المتخصص حيث لم يصدر إلا 30 كتابا أغلبها تاريخي وأغاني شعبية وسير ذاتية لحياة شيوخ الغناء.