من باب الإنصاف والعدل أن يسجل لمواقف السلطات المغربية وقوفها الحازم مؤخرا في وجه الحملات التي تستهدف الوحدة المذهبية والفكرية للمغاربة، والحملات التنصيرية التي تستهدف بعض الفئات الهشة اجتماعيا، وتستغل أوضاع الحاجة والفقر، والتي يمكن أن يكون لها على المدى المتوسط خطر كبير على الوحدة الوطنية والدينية للمغاربة، ولبعض الحملات التي تستهدف النظام الأخلاقي من خلال الاستقواء ببعض الجهات الأجنبية للتطبيع مع الشذوذ الجنسي، وهو الأمر الغريب على تقاليد المغرب ونظامه الأخلاقي والمرفوض من المغاربة جميعا، كما تتبعنا ذلك في التصدي لبعض هؤلاء ممن حاولوا أن يستغلوا بعض المواسم الدينية التقليدية للترويج لبضاعتهم الفاسدة المفسدة، لكن ما هو أخطر من هذه المحاولات التي نحن متأكدون أنها ستصطدم بوعي وإيمان المغاربة وأصالتهم هو بعض الأصوات ممن دأبوا على ممارسة الاستبداد الفكري على المغاربة جميعا؛ بدعوى الحداثة والدفاع عن حقوق الأقليات وعن الحريات الدينية ومواجهة ما يسمونه بالطابوهات، أي الشعائر الدينية والنظام الأخلاقي ومقومات الدولة الأساسية، إذ لم يكتف هؤلاء بإظهار غضبهم من المواقف الأخيرة للسلطات، والسعي للضغط عليها من خلال مقالات في بعض المنابر الإعلامية؛ متهمين إياها بلعب لعبة الإسلاميين والسقوط في ملعبهم وخطابهم الأخلاقي والسعي لسحب البساط من تحت أرجلهم، بل بدؤوا يلوحون أن هذه المواقف يمكن أن تترتب عنها ردود أفعال عنيفة وموجات تكفيرية ستتحمل الدولة مسؤوليتها المعنوية. من الإنصاف أن نقول للدولة إنك قد أحسنت في هذه المواقف الأخيرة من حيث الموقف العام، مع التأكيد على أن ذلك هو الموقف الطبيعي الذي يمليه عليه دورها في تطبيق القانون، فضلا عن أنها في ذلك تضطلع بما يقتضيه نظام إمارة المؤمنين باعتباره حاميا لحمى الملة والدين، ومن المعلوم أن نفس هذه الصفة هي ضمان لممارسة الحريات الدينية لغير المسلمين من المغاربة، وفرق شاسع بين هذا وبين جهود اختراق الوحدة المذهبية ومخاطرها وبين السماح باستغلال فقر أو جهل بعض الفئات من أجل التنصير بدعوى الحرية الدينية وحرية المعتقد، خاصة ما يتعلق بجهود الكنيسة الإنجيلية التي تتدثر تحت عدة أسماء وصفات مدنية ومقاولاتية من أجل تنفيذ مخططات خطيرة في المدى القريب، والبعيد عن الاستقرار السياسي والاجتماعي للمغرب ودول شمال إفريقيا والقارة السمراء عامة. من الإنصاف أن نقول لها حذار من الخضوع للابتزاز والتخويف أو الاستقواء بجهات أجنبية أو التهديد بمقولات الخطاب الاستئصالي الفارغة والفاشلة من قبيل المسؤولية المعنوية، كما أننا نرحب بأن تسحب السلطة البساط من تحت أرجل الإسلاميين إذا كانت النتيجة هي حماية عقيدة المغاربة ونظامهم الأخلاقي ووحدتهم الدينية والوطنية. غير أنه وجب في النهاية إبداء ملاحظتين جوهريتين: ـ إن مواجهة مخاطر التشييع والتنصير والتفسيق ليس شأنا قانونيا فحسب أو شأن الدولة، بل هو شأن المجتمع كله بأسره ومربيه وعلمائه ومفكريه وحركاته الدعوية وجمعياته المدنية، وهو الصوت الذي ينبغي أن يعلو أولا وأخيرا، وحينها سيحتل دور الدولة حجمه الطبيعي ولا يطغى أو يغيب دور الفاعلين الآخرين. ـ أن تدخل الدولة ينبغي أن يؤطر بمقتضيات دولة الحق والقانون، إضافة إلى التؤدة وعدم التسرع والمواقف الانفعالية غير المدروسة وردود الفعل غير المتناسبة مع كل حالة على حدة. فردود الفعل والقلق في تدبير القضايا الكبرى للشأن العام مشوش كبير، ويزرع الشك في المواقف مهما كانت النوايا صادقة. فإذا راعت تدخلات الدولة هذين الشرطين فلا عليها أن تمضي ولا تأبه بمحترفي الاستبداد الفكري والنزوع الاستئصالي.