قبل مدة تحدث الدكتور عباس الجراري عن الدور المحوري للغة العربية في تشكيل الهوية، وأن الدعوة إلى استعمال الدارجة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى أزيد من قرن، وقبل الدكتور الجراري تحدث المفكر بنسالم حميش على هامش المعرض الدولي، منتقدا وبمرارة الحرب الجارية على اللغة العربية، أما نخبة الباحثين الذين تقدموا بشهادات صارخة في برنامج قناة الجزيرة حول الفرنكفونية في المغرب، فقد قدموا صورة عن مجزرة تمارس وبشكل يومي في حق اللغة العربية؛ لتنتج جيلا هجينا مشوها بدون رصيد ولا مستقبل. لكن هل تسير السياسات المتبعة في تجاه التجاوب مع هذا الانشغال العميق لنخبة وازنة قلقة على المستقبل اللغوي للمغرب؟ للأسف لا نجد شيئا من ذلك؟ وحتى المحاولة اليتيمة التي أقدم عليها الفريق البرلماني لحزب الاستقلال لتوفير حماية قانونية للغة العربية تعرضت لما يشبه الوأد، هذا في الوقت الذي جاء فيه التقرير الأخير للهيئة الوطنية للتقويم ليحمل مؤشرات خطيرة حول حجم التراجع المرتبط بواقع تدريس اللغة العربية في التعليم العمومي، وسبقه في ذلك تقرير المجلس الأعلى للتعليم، والذي كان صريحا في القول بوجود فشل لغوي عميق، لكن تقرير الهيأة الوطنية للتقويم كان دقيقا في كشف أبعاد هذا الضعف الكسيح في مستوى اللغة العربية، فبالنسبة لتلاميذ الابتدائي وصل عند تلاميذ السنة الرابعة إلى نسبة 72 في المائة ممن يتقنون اللغة العربية، وبالرغم من أنه تحسن في سنوات التعليم الثانوي الإعدادي فلم يتجاوز نسبة 34 في المائة بالنسبة للسنة الثالثة إعدادي. المثير في كل ذلك هو بعض القراءات التي ذهبت إلى تكرار أسطوانة مشروخة حول عجز اللغة العربية وضعفها الذاتي أو أخرى تحكم وبجرة قلم على مجموع سياسة التعريب بالفشل، وكأن المحطات التي خضعت فيها هذه السياسة للمراجعة لم تكن كافية لتجاوز الارتباط بمقولة مجترة تربط الأمر بحزب الاستقلال، وذلك في سياق خدمة توجه يروم فبركة لغة يسميها زورا بالمغربية، ويمهد لها بالتراجع عن التعريب في التعليم الثانوي التأهيلي وتوظيف هذه الدراسات الميدانية، واستغلال الحملات الموجهة لتشجيع الدارجة وتقديمها كخلاص للأزمة اللغوية. إن ما يقع حاليا يفرض توجيه صرخة مدوية لكل المعنيين بمستقبل الهوية الوطنية والمرجعية الحضارية الإسلامية للمغرب؛ من أجل الانتقال من وضعية التفرج أو في أحسن الأحوال الاحتجاج الصامت أو المنكمش إلى مرحلة المبادرة والفعل، بمبادرات تشريعية وسياسية وثقافية وتعليمية لحماية اللغة العربية من الاستهداف الممنهج الهادف إلى تبخيسها وتهميشها وربط التخلف بها، والارتفاع عن الحسابات الانتخابية والحزبية الضيقة، ذلك أن مستقبل المغرب هو في جزء منه يتحدد بمستقبل لغته، فهل من مجيب؟