حين تقدم السيناتور الأمريكي باراك أوباما إلى الإنتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية حمل شعارا كبيرا بعث به الأمل لدى الكثيرين وهو شعارالتغيير، التغيير في النهج السياسي الخارجي، وفي التوجه الاقتصادي الداخلي، وكان أوباما قد أكد خلال حملته الانتخابية أن قضية السلام في الشرق الأوسط ستكون على أولويات أجندة سياسته الخارجية، وأنه لن يفعل كما فعل غيره من الرؤساء الأمريكيين وينتظر حتى قرب نهاية ولايته لاتخاذ خطوات جادة لإنهاء الصراع. وازداد تأكيد هذا الخيار -نوعا ما- عندما تم اختيار السيناتور الأمركي جورج ميتشل المعروف بمواقفه الاعتدالية تجاه القضايا العالقة في الشرق الأوسط، وخبرته الكبيرة في إدارة الصراعات الدولية، مما بعث الأمل، غير أن المؤشرات التطبيقية بدأت تكشف عن الاختيارات المترسخة في سياسات الخارجية الأمريكية: أولى هذه المؤشرات تكمن في إخفاق الولاياتالمتحدةالأمريكية في تبني رؤية جديدة للتعامل مع حركة المقاومة الاسلامية حماس، وتبني الخيار الديمقراطي وسيلة ناجعة لهذا التعامل، ويكمن هذا الإخفاق في النهج الأمريكي في إعادة إعمار قطاع غزة، والإقصاء العلني لحركة حماس، وعدم إشراكها في الإعمار، باعتبارها حكومة شرعية ناتجة عن صناديق الاقتراع، ووضع إدارة البيت الأبيض لعدم تسلم حماس أي قسط من هذه الأموال كشرط أساسي لمشاركتها في الإعمار، يعد مؤشرا دالا على نوعية السياسة التي سيتبعها باراك أوباما تجاه الفلسطينيين، بتغليب كفة على أخرى. ويأتي استمرار دايتون في مخطط إعداد جهاز عسكري موازي في مخيم جنين لمحاربة من تسميهم الولاياتالمتحدةالأمريكية بالإرهابيين مؤشرا ثانيا على استمرار التوجه الأمريكي التقليدي في إدارة الصراع، فقد بثت قناة إسرائيلية برنامجا عن استمرار المخطط، وولاء الجهاز الأمني المستحدث للمشروع الأمريكي، القاضي بحماية أمن الكيان الصهيوني، وقمع ناشطي حركة المقاومة الإسلاميى وحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، مما يتناقض مع الدور الموكول لجورج ميتشل، ويجعل السياسة الأمريكية تتحرك بوجهين متناقضين، أحدهما معلن يمثله المبعوث الخاص لإدارة البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، والثاني تمثله المخططات السرية الرامية إلى حماية وتقوية إسرائيل. وكمؤشر ثالث يبدو أن تعارض أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية، بدأ يرخي بضلاله على المعايير المستخدمة في التعامل مع أهم ملفات الشرق الأوسط، مما يكسب الخطاب الأمركي ازدواجية في المعايير، ينتج عن التناقض بين الدعوة إلى التعامل الإيجابي مع قضايا المنطقة، وتعارضه مع أولوية أمن إسرائيل، والمصالح الأمريكية في المنطقة، مما يضع إدارة أوباما أمام أسئلة كبيرة، تعود إلى الإرث الذي تركه سلفه جورج بوش. ويتأكد من خلال هذه المؤشرات أن الإدارة الجديدة للبيت الأبيض لا تستطيع الخروج عن المألوف، وأن سياستها الخارجية، وبالخصوص تلك التي تهم الشرق الأوسط، ستبقى وفية بالدعم والإسناد للكيان الصهيوني، ولو حاولت غير ذلك ستقع في فخ ازدواجية المعايير وتناقضها، وذلك لطبيعة الضغوطات التي تتعرض لها والتحديات التي يمكن رصدها في ثلاث عوامل: صعوبة التراجع عن دعم إسرائيل رغم التراجع الوظيفي لهذه الأخيرة، وما قد يبرزه من تحديات داخلية تهدد إدارة أوباما باستعمال اللوبيات الصهيونية في الولاياتالمتحدةالأمريكية للضغوطات الإقتصادية، وهو ما لا تحتمله إدارة أوباما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وهي أداة تكشف التقارير فعاليتها في الضغط وتوجيه السياسات الخارجية الأمريكية. أما العامل الثاني، فهو سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ورئيسها على وجه التحديد إلى تحسين صورة بلاده في العالم، كما وعد بذلك في حملته الانتخابية، والأمريكيون يعلمون أن تحسين صورة بلادهم - حسب ما ترصده مراكز البحوث والدراسات الأمريكية في الشرق الأوسط خ يبدأ من طبيعة التدخل الأمريكي في الصراع العربي - الإسرائيلي، ودرجة انحيازها إلى طرف دون آخر. والعامل الثالث، هو ازدياد الدعم السياسي للمقاومة في المنطقة، خاصة من طرف إيران وسوريا، وتصاعد الدور التركي، بالإضافة إلى تنامي الوعي في الشارع العربي وفي العالم بأكمله، وهو ما جعل النتائج تأتي بعكس ما كانت ترجو إسرائيل وعكس ما يرجو المنتظم الدولي الذي يسمح بالعمليات الإسرائيلية شريطة أن تكون مدتها قصيرة. ومن خلال ما سبق يتضح أن الإدارة الأمريكيةالجديدة لن تأتي بالجديد، خاصة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وأن وضع الملف ضمن أولويات الإدارة الجديدة لا يعني بالضرورة القطيعة مع الإرث الثقيل لإدارة بوش، وهي سياسة تصب في صناعة الاستمرار في السياسية الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية، وهو ما بدأ تأكيده مع مؤتمر شرم الشيخ لإعادة الإعمار.