أثار فيلم حجاب الحب الكثير من النقاش والسجال، ودار بشكل أساسي بين فريقين رئيسيين، يمثل الأول جزءا من الحركة الإسلامية وشريحة من المجتمع المغربي، والثاني تمثله أقلام صحافية ووسائل إعلامية ونخب فنية وجامعية. الفريق الأول اعتبر أن حجاب الحب سعى من خلال إظهار فتاة محجبة (البطلة) في صورة المنحرفة أخلاقيا، من حيث إقامتها علاقة غير شرعية مع شاب يرفض أن يتزوجها بعد أن تحمل طفلا منه، لإهانة رمز ديني والاستهانة به وتشويه للمحجبات بشكل عام. أما الفريق الثاني فدافع عن الفيلم لأنه -برأيهم- صور واقعا مغربيا، ووصف المعارضين بأنهم ضد حرية التعبير وتعرية الواقع والكشف عن أمراضه، واتهم الإسلاميين على وجه الخصوص بـ محاربة الفن والإبداع والحجر على العقول و... وبرر مخرج الفيلم عزيز السالمي عمله بنقله حيرة عدد من الفتيات بين الالتزام الديني والانفتاح على الحياة العصرية بمظاهرها الأوروبية، والتناقضات بين المحافظة والحداثة، واستعمال الحجاب لأغراض معينة من قبيل الحصول على زوج، دون أن يمس المتحجبات الملتزمات دينيا عن قناعة. هذا الفريق الذي يقول إنه يدافع عن الحداثة استقوى على الفريق المخالف بما يملك من نفوذ إعلامي على وجه التحديد، متهما الفريق المخالف الذي يؤكد في تصريحاته أنه مع الإبداع والفن الذي يعالج القضايا الاجتماعية بمقاربة معقولة غير إيديولوجية ولا تمس بالثوابت الدينية، وتحترم قيم المجتمع المشتركة والمتوافق حولها. لكن الخرجات الإعلامية لـ المدافعين عن الانفتاح كشفت أن هدفهم أبعد من الدفاع عن حرية الإبداع، إنه الدفاع عن حرية التصرف في الأجساد على طريقة بعض المجتمعات في الغرب، وعدم التقيد بقيم المجتمع ولا ضوابط الدين تحت شعار الحداثة والتحرر، حيث اعتبر أحدهم ـ نموذج ـ في حديث صحافي، أن الفيلم فتح موضوعا جديدا للنقاش ويتجلى في عدم التلاؤم الذي تعيشه الفتيات في علاقتهن مع أجسادهن ورغباتهن الحقيقية، متأسفا لكون أداء يونس ميكري (بطل الفيلم) كان متحفظا في مشاهد القبل، ولم يكن طبيعيا في سينما القبل ربما خشي من شيء ما أو تخوف من غضب زوجته. وضع محرج للمخرج لم يجد مخرج فيلم حجاب الحب عزيز السالمي -الذي أقام بفرنسا لفترة طويلة- من الفنانات والممثلات المغربيات من تقبل القيام بدور البطلة المحجبة ذات الخليل والعشيق، واضطر للبحث عنها خارج المغرب، ووجد حياة بلحلوفي الممثلة الفرنسية من أصل جزائري البديل. زوجة مخرج حجاب الحب الممثلة والفنانة القديرة السعدية لديب، بعد أن أشارت أنه لم يقترح عليها دور بطولة الفيلم، أكدت أنه لو اقترحه عليها لكانت ناقشت معه الأمر وطلبت منه تعديل المشاهد. واستطردت بالقول في حديث صحافي: ولكن كيفما كان الحال لا يمكن أن تصل جرأتي لمستوى أدوار العري، فأنا بطبيعتي محافظة، أحترم ديانتي والتقاليد التي فتحت عيني عليها، ولا أريد أن يبدر مني سلوك يجعلني أخجل من مواجهة أفراد عائلتي. لم تقتنع الممثلات بجدوى مشاهد العري المبالغ فيها جدا، والمشاهد الجنسية الساخنة في الفيلم، فكيف يقنع بها المخرج المجتمع المغربي المحافظ بطبعه، وبما يبررها؟ وليس الأمر مقصورا على الممثلات، فجل -إن لم يكن كل- المدافعين عن الأفلام التي أثارت ضجة لاحتوائها على مشاهد جنسية ساخنة وما إلى ذلك، سواء في فيلم لحظة ظلام و مروك وغيرهما، لا يستطيعون أن يتفرجوا عليها إلا فرادا ولا يمكنهم ذلك برفقة أسرهم وعائلاتهم، لأن عمقهم محافظ، وتصريحاتهم وخرجاتهم الإعلامية حداثية وعلمانية. مخرج سينمائي أم محرض؟ أمام الوضع الحرج والمربك الذي وجد فيه المخرج عزيز السالمي نفسه، فقد اختار الهروب للأمام والتحول من مخرج سينمائي إلى محرض، لما طالب في تصريح لوكالة رويترز الفتيات غير المحجبات إلى الخروج للشارع للتظاهر احتجاجا على الإساءة لهن من خلال النظر للمحجبة على أنها مقدسة لا تسقط في فخ الرذيلة، معتبرا ذلك إهانة لغير المتحجبة (المتبرجة) التي تلصق بها الرذيلة وحدها حسب تعبيره. وبهذا اعترف السالمي وبدون تزويق للكلام وتنميقه أنه ألصق الرذيلة بالمتحجبة في فيلمه حجاب الحب وشوه سمعتها. والحال أن الوقوع في الرذيلة والخطأ لم يكن محط النقاش بقدر ما كان حول استعمال الرمزية الدينية للحجاب مادة للاشتغال السينمائي، بعدما هاله انتشاره في المغرب، عقب عودته (المخرج) من فرنسا حيث عاش لسنوات عديدة. صراع قيم ومشاريع مجتمعية على عكس النظرة السلبية التي ينظر بها البعض للسجال الذي أثاره عرض فيلم حجاب الحب ومن قبله مروك و لحظة ظلام، فإنه كشف عن عدة أمور: - حيوية وحراك داخل المجتمع المغربي وتفاعل مع ما يقدم له، وحالة يقظة تجاه كل ما يمكن أن يمس هويته وقيمه دون تفريط ولا إفراط، وهذا أمر صحي طالما يتم بشكل حضاري. - أن السينما باتت من أبرز آليات الصراع بين التيار الحداثي العلماني والتيار الإسلامي بالمغرب، وأن الأول مستقو على الثاني بامتلاكه آلية السينما واستقطابه للمخرجين والسينمائيين بشكل عام، وإخراج أفلام تروج لقيمه ولمشروعه المجتمعي، فضلا عن نفوذه الإعلامي، فيما لا يملك الطرف الثاني إلا إعلاما محدود الأثر، ومساندة شريحة مجتمعية ونخب فكرية وعلمية، لا تدافع دائما عن وجهة نظرها، ولنقل عن المشروع المجتمعي الذي تؤمن به بنفس شراسة وقوة دفاع التيار الحداثي العلماني، إما لافتقادها رؤية واضحة وإما خوفا من تأويلات تضر بمصالحها وتشوش عليها. - أن الحركة الإسلامية المغربية التي تؤمن بأهمية الفن بكل أشكاله في التمكين لقيم معينة ومشروع مجتمعي معين، مطالبة بأن تبلور رؤية واضحة المعالم بخصوص الفن بشكل عام، وبشأن النقد السينمائي بقواعده بعيدا عن المقاربة الأخلاقية الصرفة، طالما أنها لا تملك ولم تستقطب كوادر سينمائية تمكنها من أن تدخل حلبة التنافس بنفس الآلية وبنفس اللغة، لأن المقاربة التي اعتمدتها في التعامل مع فيلم مروك و لحظة ظلام على سبيل المثال هي من شجع المخرج عزيز السالمي على الخروج بفيلم حجاب الحب قاصدا الاستفزاز كآلية تمنح لشخصه الشهرة ولمنتجه الانتشار الواسع، وهو الذي قال أيام الجدل على فيلم مروك لأحد الصحافيين: والله لو أنفقت مخرجته ليلى المراكشي -الفرنسية من أصل مغربي- الملايين ما تحققت له الشهرة التي منحها إياه انتقاد الإسلاميين له وحملتهم ضده، مع العلم أن الفيلم رديء وضعيف من الناحية السينمائية ولا يستحق هذه الشهرة، ولولا السجال الذي قام حوله لما انتبه له إلا قليل القليل. - أن المشاهد الجنسية الساخنة سواء في فيلم حجاب الحب أو لحظة ظلام أو مروك طرحت السؤال الجديد القديم: كيف نعالج سينمائيا القضايا الاجتماعية المغربية ذات العلاقة بالجنس (اغتصاب، دعارة، خيانة زوجية) بطريقة تراعي خصوصيات المجتمع وقيمه، هل يكون ذلك بالإيحاء فقط أم باغتصاب آخر وخيانة ثانية بطابع سينمائي أم كيف؟