أثار السجال الإعلامي حول فيلم حجاب الحب الذي ظهر مؤخرا موجة من ردود الفعل المتباينة ، التي تتفاوت في درجتها حسب المنظور الذي تقارب به قضية الحجاب ،فهناك من اعتبر أن الفيلم اقترب من الواقع وحاول أن ينقل صورة جريئة لقضية جد حساسة ، بينما اعتبره البعض الآخر تحاملا واستفزازا لمشاعر المسلمات الملتزمات بهذه الفريضة الدينية ذات الرمزية العالية في حياة المغاربة والمسلمين أجمعين . خارج الفيلم فإن السؤل حول مقاصد الحجاب يشكل أحد الأسئلة المطروحة فهو يعبر عن انتماء لهوية دينية واجتماعية وثقافية ، تتأسس على أرضية النصوص الشرعية المستمدة من المصدرين الرئيسيين للدين الإسلامي : القرآن والسنة ، وبالتالي فالفتيات والنساء اللواتي يرتدين الحجاب إنما يستجبن لأمر إلهي ، كما هو الشأن بالنسبة لبقية الفرائض الدينية التي أوجبها الدين الإسلامي . لكن ما الداعي لإثارة هذا الموضوع في عمل سينيمائي ما دام أنه يجسد خصوصية دينية ؟ مما لا شك فيه أن الفيلم قدم رؤية أحادية عندما قدم صورة لفتيات يرتدين الحجاب مع ما يحمله من رمزية دينية قوية ، لكن في نفس الوقت فهؤلاء يعشن توترات كبيرة في سلوكهم اليومي ، حيث تبرز مظاهر التناقض الحاد ، وكأن الشخص الذي يرتدي الحجاب يعيش انفصاما سلوكيا خطيرا ، ولهذا فبطلة الفيلم جسدت هذا التوتر في أكثر حالاته معيشا ،فمن قراءة القرآن والصلاة واللباس الملتزم إلى الدخول في علاقة عاطفية حميمية تنتهي بالحمل ، ولم يتوقف الفيلم عند رسم هذه الصورة فحسب ، بل إن النقاشات المثارة بين الفتيات اللواتي شخصن أدوار إما مرتديات للحجاب أو بدونه ،لكن جلهن يؤكدن أن الدافع للحجاب ليس هو التمسك بالدين كما هو شائع ، بل إن الغرض من وراءه الحصول على زوج ، يبحث عن فتاة ذات أخلاق و مربية أو في أغلب الأحوال يتم التستر به على سلوكاتهن من العائلة أوأعين المجتمع . انطلاقا من ذلك يخرج المتتبع لهذا الفيلم الذي حمل جرعة زائدة من الاستفزاز لمرتديات الحجاب، والذي كان يعطى له كل قداسة وهالة ، لكن حقيقته بحسب بطلات الفيلم غير ذلك ، ولهذا وجد بعض المتتبعين ضالتهم فيه ، بينما حمله البعض الآخر ، واصفا إياه بالفيلم المتحامل والمغرض . بالنظر لما سبق عرضه ، كيف يمكن قراءة ظاهرة الحجاب بشكل موضوعي بعيدا عن لغة السينيما - خصوصا المغربية منها والتي لا تنفك من الإيحاءات الايديولوجية ، ولعل الدعم الذي قدم للفيلم من طرف المركز المغربي السينيمائي يكفي لفهم بعض الرموز المشفرة - التي غالبا ما تتحكم فيها الإعتبارات الفنية على حساب لغة البحث العلمي ؟ وأيضا هل يمكن القول أن التحفظات التي أثيرت عقب عرض الفيلم، من انه لم يعرض صورة الحجاب على حقيقتها ، تبدو هي الأخرى متماسكة ومتسلحة برد منطقي ؟ أم أنها انزلقت هي الأخرى في مثالية متعالية لا تنظر لتحولات الظواهر الإجتماعية والدينية والثقافية ؟ رغبة منا في التفاعل مع هذا النقاش في هذه القضايا المجتمعية ، وبالإستناد إلى مقاربة سوسيولوجية تتخذ من الأبحاث الميدانية مرجعها ، نرى لزاما علينا أولا أن نستجلي الخلفيات التاريخية لظهور الحجاب في المجتمع المغربي ، فكما هو معلوم ارتبط هذا اللباس في بداياته الأولى ،إبان عقدي السبعينيات والثمانينيات ، بفعل دعوي وإعلان عن التزام ديني للفتيات والنساء المنتميات أو المتعاطفات مع الحركة الإسلامية ، باعتباره أحد أول الإجراءات للإعلان عن حركية مجتمعية ودينية تعمل على إعادة السلوك الفردي والجماعي إلى النموذج المعياري الإسلامي ، ومن جهة أخرى فهو يمثل (الحجاب) تحد مجتمعي للقيم الغربية التي كانت تستهدف المرأة وتعمل على سلخها من كل مقوماتها وخصوصا اللباس ، ولهذا كان الحجاب في هذه المرحلة التأسيسية بمثابة إعلان عن هوية جديدة تبرز اختلاف وتميز المرأة المسلمة عن غيرها ، وبقناعات مبدئية ومحددة وثابتة انطلاقا من اجتهادات في فهم وتأويل النصوص الدينية . ولعل من الملاحظات الأساسية في هذا الباب، أن ارتداء الحجاب بمواصفاته وشكله في هذه المرحلة ،شكل قطيعة مع الأزياء التقليدية وأشكال الإحتجاب المعروفة في المجتمع المغربي آنذاك . إلا أنه مع تسارع وثيرة التحولات الجذرية والعميقة التي همت جميع الميادين والبنى الثقافية والرمزية ، حتى تلك الأكثر قداسة كما هو حال الحجاب ، حيث أنه مع الإنتشار الواسع لهذا الزي في أوساط الشابات والفتيات بدأت تتقلص هذه القيمة الدينية الرسالية والسياسية لللحجاب لتصبح سلوكا اجتماعيا يتلون بإيقاعات التيارات الكبرى للموضة العالمية ، لكن مع بقاء ارتباطه بالمرجعية الدينية وهو ما كشفته دراسة الإسلام اليومي التي أبرزت أن أيد من 64 في المائة يرتدون الحجاب لأسباب دينية وأن 17 في المائة لأسباب غير دينية لكن من ضمنها الحياء والاحترام لكن الملاحظ في المقابل هو تعدد أنماط اللباس واختراقه من قبل تيارات الموضة بما ينقله في بعض الحالات إلي نفي مقاصده، مع التأكيد على أن الإسلام لم يحدد شكلا محددا بل حدد معايير تقوم على عدم الإثارة أو تجسيد مفاتن الجسد ، وهو ما يجد عنوانه الأبرز في مستوى الألوان والأشكال والأثواب والماكياج ، وبتعبير أوضح لم نعد أمام شكل محدد للحجاب ، بل أصبحنا أمام خليط من الحجابات . يتبع