لم يتوقف نبض الشارع الغربي طيلة أيام العدوان الصهيوني على غزة، ولم تتوان مكوناته بمختلف مشاربها وتوجهاتها عن التعبير عن دعمها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني وشجبها وإدانتها لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات الصهيونية ضد أطفال ونساء غزة. حركية التضامن جسدت وحدة الشارع المغربي، ووحدة مكوناته السياسية والمدنية على أرضية نصرة قضايا الأمة خاصة منها المركزية والمصيرية حتى صار المراقب الخارجي لا يميز الخلاف الإيديولوجي والسياسي بين هذه المكونات، وهي تصطف جنبا إلى جنب في مسيرات دعم المقاومة ونصرة الشعب الفلسطيني. وكان من الطبيعي، أن تخرج من هذه الوحدة التي جسدتها حركية التضامن تعابير مختلفة، ينظر كل منها إلى النصرة بمقاربته الخاصة، فمنها من يدفعه الجانب الإنساني إلى التعاطف، ومنها من يحركه الاعتبار القانوني والحقوقي لملاحقة القادة العسكريين والسياسيين الصهاينة لارتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين ، ومنها ما يركز على ضرورة الدعم المالي لمساعدة الفلسطينيين على معاناتهم الإنسانية، ومنها من يركز على البعد السياسي في اتجاه الضغط السياسي على الأنظمة السياسية للتحرك لمطالبة مصر بفتح معبر رفح ورفع الحصار لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة، ومنها من يرى في دعم المقاومة وانتصارها تحركا في اتجاه تغيير معادلة الصراع في العالم لغير جهة الهيمنة الأمريكية، ومنها من يركز على رفع منسوب الوعي الشعبي بأهمية نصرة المقاومة في التصدي للمشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة العربية الإسلامية، ومنها من يجمع بين هذه المقاربة وتلك. لكن على الرغم من الاختلاف الحاصل في المقاربة، وعلى الرغم من التباين الذي يحصل في العادة بين الجهات الرسمية والجهات الشعبية، إلا أن الأمر في حالة نصرة القضية الفلسطينية كان يتسيج بضابطين اثنين: - الضابط الأول: هو الإجماع في التحرك الجماهيري، والذي انعكس في صورة التقاء كل الإطارات السياسية والمدنية والحقوقية والجمعوية والوجوه الفنية والرياضية على إدانة العدوان ونصرة الشعب الفلسطيني في محنته. - الضابط الثاني: رفض تسييس القضية الفلسطينية واستثمارها لاعتبارات سياسوية ضيقة، فالقضية الفلسطينية، وكل قضايا الأمة، هي فوق اعتبار التوظيف السياسي، ولا يقبل الشعب المغربي أن يزج بهذه القضية وأن يتاجر بدماء أبنائها من أجل تحقيق مغنم سياسي لحظي. وعلى مدى أكثر من عقدين، ومنذ انطلاق الانتفاضة المباركة في سنة ,1987 كانت الحركة الإسلامية بجميع أطيافها ومؤسساتها في خدمة القضية الفلسطينية ونصرة قواها المقاومة، وكانت تنص في كل أدبياتها ونصوصها التأسيسية على مبدأ مناصرة قضايا الأمة وقضايا التحرر العالمي، ولم يعرف سلوكها التضامني على مدى هذا التاريخ أي انزلاق أو انحراف في اتجاه التوظيف السياسي لهذه القضية، فنصرة القضية الفلسطينية في أدبيات الحركة الإسلامية هي مسألة مبدئية لا علاقة لها باعتبارات الحراك السياسي الداخلي، ثم إن الحركة دائما تحرص على أن تعتبر نفسها مجرد طرف داعم للقضية الفلسطينية، وكانت أحرص ما تكون على أن تكون أشكالها التضامنية مع القضية الفلسطينية في إطار عمل تنسيقي يشمل كل مكونات الشعب المغربي، ولعل وجودها الفاعل ضمن مجموعة العمل يرمز إلى البعد الوحدوي والتشاركي في هذا الدعم. وتأسيسا على نفس المنهج، فقد كانت الحركة تبارك كل المبادرات الرسمية التي تندرج ضمن تقديم الدعم الإنساني والمالي والسياسي للقضية الفلسطينية، وكانت تشيد بهذه المواقف وتعتبرها جزءا من التقاليد التي دأبت عليها المملكة المغربية في تعبيرها عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني. بكلمة، يجتمع الموقف الرسمي وموقف الفرقاء السياسيين ومكونات المجتمع المدني وتعبير الشعب المغربي برمته على اعتبار نصرة القضية الفلسطينية مسألة مبدئية وعلى رفض أية متاجرة سياسية أو توظيف سياسي لها، فقداسة القضية وطهر الموقف ينزهان أي طرف من أن يستثمرها لحظوظ سياسية لحظية.