يصعب تجاهل العناصر الإيجابية التي وردت في خطاب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، والتي حملت في طياتها اعترافا بعمق الأزمة في العلاقة بين العالم الإسلامي والولاياتالمتحدة، وأن هناك حاجة إلى طريق جديد قائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بحسب الخطاب، وينطلق من الحسم الواضح لصالح الانسحاب من العراق، والتأكيد الواضح لوجود واقع احتلالي أمريكي له، باستعماله لعبارة سنبدأ في إعادة العراق لشعبه، فضلا عن حرصه الشديد على تجنب الإشارة إلى مفردات دفعت العلاقة إلى التوتر طيلة السنوات السبع الماضية في العلاقات، وخاصة مفردات الإرهاب التي سببت خلطا كبيرا تغذى من تفضيل الإدارة السابقة لمنطق السلاح على منطق المبادئ والتحالف وفق العبارات التي استعملت من قبل أوباما في خطابه. الواقع أن السياسة الخارجية الأمريكية شهدت في مرحلة بوش عسكرة شاملة ضاعفت من تأثيرها الأدلجة الشديدة التي تمت مع المحافظين الجدد من جهة، والإنجيليين المتطرفين من جهة أخرى، وكلا من العسكرة والأدلجة أنتجا حالة خراب في السياسة الأمريكية في العالم أدى ثمنه أزيد من مليون قتيل بالعراق، وما يناهز خمسة ملايين يتيم به، وهو مؤشر يكفي لفهم أبعاد الأزمة القائمة بين العالم الإسلامي وأمريكا، ويساعد على استيعاب الفقدان الكامل للمصداقية الأمريكية، والتي ظهرت تجلياتها بوضوح في العدوان الصهيوني الأخير على غزة، وهو ما يجعل مهمة الرئيس الأمريكي الجديد مهمة صعبة، عكسها التشخيص الذي قدم في ثنايا خطابه، والذي يؤكد أنه بدون تغيير جذري في مسار العلاقة يقوم فعليا على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، فمن غير الممكن توقع عهد جديد في المنطقة. يبدأ الرئيس فترة حكمه والعالم ما يزال يجر آثار العدوان الأخير على غزة، والذي قدم رسالة واضحة في أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن حلا لا يضمن للشعب الفلسطيني دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ولا يحقق له شروط العيش الكريم هو حل فاشل، وبداية ذلك تحقق برفع الحصار الظالم، والذي تورطت الولاياتالمتحدة في إرسائه والتحريض عليه عالميا منذ يناير ,2006 حيث جاء العدوان ليقدم دليلا جديدا على فشله، ولهذا ننتظر من الإدارة الجديدة أن تمتلك جرأة الإعلان عن إنهاء الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني، ذلك أن المنطق الذي فرض الإعلان عن إنهاء احتلال العراق والانسحاب منه هو نفسه الذي يحتم هذا المطلب الملح، الذي يستند على الوعي المتنامي داخل أمريكا بتفاقم كلفة العبء الذي تمثله سياسات الدولة العبرية على مصالح أمريكا في المنطقة، وهو العبء الذي يضع أمريكا أمام نفسها من جديد، ويطالبها بتصحيح ينسجم ومبادئ الحرية التي قامت عليها، وينهي عقودا من سياسة الكيل بمكيالين ومن المعايير المزدوجة. أما عن المغرب وعلاقاته بأمريكا، فنحتاج أن نقف عند عناصر أساسية، أولاها أن البلدين وضعا ما يكفي من البنيات المؤسساتية لإرساء علاقة قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة، وهو ما يجعلنا نتوقع تطورا إيجابيا لها في المستقبل، لكن التقدم في تحقيق ذلك سيبقى مرتهنا لهذا النجاح في إرساء عهد جديد في علاقات أمريكا مع العالم الإسلامي، وثانيها أن الانسياق المفروض في الحملة الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب أدى إلى توريط بلادنا في متاهات، أقلها ما يثار حاليا باتهامات التورط في التعذيب لمعتقلي غوانتانامو السابقين، والتي وعت أمريكا-أوباما بفداحة الانتهاكات، وامتلكت اليوم شجاعة السعي لإنهاءها، ويضعنا ذلك اليوم أمام مسؤولية التأكيد على أن العالم محتاج إلى علاقات شريفة تنهي مرحلة الوكالة في المهام القذرة. إن خطاب الرئيس الأمريكي الجديد حمل وعودا كبيرة والعالم الإسلامي اليوم ينتظر إلى ما سيتحقق منها، والإجراءات التي ستعلن في الأيام القادمة ستكون محددا في وضع شروط العهد الجديد.